وعليه فهو من باب إباحة التصرف بعوض ، فكأن الحمامي أعلن بالكتابة أو بغيرها على أنه يرضى للدخول في حمامه بشرط إعطاء العوض عند الخروج ، وحيث إن الشرط بعنوان الموضوع فيكون الرضا متعلقاً بدخول كل من يعطي العوض عند الخروج ، فإعطاء العوض عند الخروج من الشرط المتأخر لرضا الحمامي في الدخول والاغتسال في الحمام أو غيره من التصرّفات ، ومعه لا بدّ من أن يبني المغتسل على إعطاء الأُجرة حين الدخول والاغتسال كما لا بدّ من أن يعطيها عند الخروج.
فلو فرضنا أنه بنى على إعطائها إلاّ أنه عند الخروج لم يعط الأُجرة يحكم ببطلان غسله ، لأن عدم إعطاء الأُجرة كاشف عن عدم رضا الحمّامي بتصرّفاته من الابتداء كما أنّ إعطاءها كاشف عن رضاه بذلك على ما هو الحال في جميع موارد الشرط المتأخِّر. كما أنه لو انعكس الأمر فلم يبن على إعطاء الأُجرة عند دخوله واغتساله إلاّ أنه دفعها عند الخروج أيضاً يبطل غسله ، وذلك لأن إعطاءه الأُجرة وإن كان كاشفاً عن رضا الحمامي بدخوله واغتساله إلاّ أن المغتسل إما أن يكون حال غسله عالماً بعدم رضا الحمامي باغتساله لأنه بانٍ على عدم إعطائه الأُجرة ، وإما أن يكون شاكاً في ذلك لتردده في أنه يعطي الأُجرة أو لا يعطيها. فعلى الأوّل فهو عالم بحرمة التصرف في الماء وغيره ، ومعه كيف يتمشى منه قصد التقرّب عند الاغتسال وإن كان الحمامي راضياً واقعاً. وأما على الثاني فأيضاً الأمر كذلك ، لاستصحاب عدم رضا الحمامي وعدم إعطائه الأُجرة بعد الخروج ، فالتصرّفات الصادرة منه محكومة بالحرمة الظاهرية بالاستصحاب وإن كان في الواقع حلالاً لرضا الحمّامي بتصرّفاته ومع العلم بالحرمة أو ثبوتها بالتعبد كيف يتمشى منه قصد التقرّب ليصحّ غسله.
ومعه لا بدّ في صحّة اغتساله من بنائه على إعطاء العوض عند الخروج ومن إعطائه كذلك ، ومع انتفائهما أو انتفاء أحدهما يحكم ببطلان غسله. ولا فرق في ذلك بين النقد والنسيئة ، فلو فرضنا أن الحمامي يرضى بإعطاء العوض بعد مدّة معيّنة ولكنه بان على عدم إعطائها بعد تلك المدّة أو لم يعطها بعدها أيضاً يحكم ببطلان غسله لما مرّ بعينه ، فالتفصيل بين النقد والنسيئة ممّا لا وجه له.