وتفصيل الكلام في هذه المسألة أن الاغتسال في الحمام قد يكون من باب الإجارة كما إذا أوقعاها بالصيغة على أن يدخل المغتسل الحمام مدّة متعارفة كساعة أو أقل أو أكثر لينتفع فيه بالتصرف في مائه وغيره في مقابلة أُجرة معيّنة ، وعليه فيكون المغتسل مالكاً بإجارته هذه التصرف في الحمام مدّة متعارفة كما أن الحمامي يملك بها الأُجرة المسمّاة على ذمّة المغتسل ، بلا فرق في ذلك بين أن يستوفي المغتسل تلك المنفعة المملوكة له أم لم يستوفها بل اشتغل مع أصحابه بشيء آخر كالتكلم أو نحوه ، لأنه لا بدّ أن يدفع الأُجرة المسماة مطلقاً وإن فوت المنفعة على نفسه. كما لا فرق في ذلك بين أن يبني على عدم إعطاء الأُجرة للحمامي أو بنى على إعطائها ولكنه لم يعطها بعد ذلك أو إعطائها من المال الحرام ، لأن المعاملة صحيحة على كل حال وذمّة المغتسل مشغولة بالأُجرة المسمّاة ، والفعل الخارجي أعني إعطاء الأُجرة من المال الحرام أو عدم إعطائها أجنبيان عن المعاملة وصحّتها. ولا يختص ذلك بالإجارة بل يأتي في كل معاملة كان فيها العوض أمراً ذميّاً كما إذا اشترى شيئاً بقيمة معيّنة في ذمّته ، فإن المعاملة صحيحة سواء دفع القيمة أم لم يدفعها ، بنى على إعطائها أم لم يبن عليه. هذا إذا كان الدخول في الحمام للاغتسال أو لغيره من باب الإجارة.
وأمّا إذا كان من باب إباحة التصرّف في الحمّام بعوض لأنه من المعاملات المتداولة في الخارج من دون أن يكون هناك تمليك أو تملك ، فان المغتسل يدخل الحمام ويغتسل من غير أن يعلم بأُجرته وأنها أي مقدار ولا سيما في الغرباء كأهل مملكة أُخرى ، بل وكذلك في أهل مملكة واحدة كالنجفي إذا دخل الحمام في بغداد ، لأن الأسعار تختلف باختلاف البلدان والأمكنة ولا يدري أن الأُجرة أي مقدار ، كما أن الحمّامي لا يدري أنه يصرف من الماء بمقدار الاغتسال ارتماساً أو ترتيباً أو يصرفه مقداراً زائداً لتنظيف بدنه ، كما لا يعلم أنه يتصرف في الحمام بمقدار الاغتسال أو يريد تنظيف بدنه بالصابون والنورة ونحوهما ، ومع هذا كله لا يستشكل أحد في صحّة غسله ، فلو كان ذلك من باب الإجارة للزم تعيين الأُجرة والمنفعة والعلم بهما قبل الدخول لاعتبار العلم بمقدار العوضين في الإجارة.