فقد يكون الموضع الذي لم يصله الماء في الطرف الأيمن مع أنها قد صبت الحفنتين على الأيسر فإنها دلّت على أنها لو مسحت بيدها ذلك الموضع كفى في غسلها ، ولا يتم هذا إلاّ مع عدم لزوم الترتيب بين الجانبين. فالموثقة ظاهرة بل كادت أن تكون صريحة في عدم اعتبار الترتيب بينهما.
وممّا يشهد على ذلك بل يعادل جميع ما أسلفناه أن غسل الجنابة مسألة كثيرة الابتلاء لكل أحد إلاّ ما ندر ، والحكم في مثلها لو كان لشاع بين الرواة ولم يخف على أحد مع أنه لم يرد اعتبار الترتيب بين الطرفين ولا في رواية ، إذ لو كان معتبراً لورد في الأخبار وانتشر بين الرّواة ، فإنه قد ذكر الترتيب بين الرأس والبدن كما ذكر اعتباره بين الجانبين أيضاً في غسل الميت مع قلّة الابتلاء به فلو كان معتبراً في غسل الجنابة أيضاً لورد في الروايات ، فنفس عدم الاشتهار في مثله يدلّنا على العدم ، فإن الأعراب لا يمكنهم فهم اعتبار الترتيب بين الجانبين من قوله : « ثمّ صبّ على منكبه الأيمن مرّتين وعلى منكبه الأيسر مرّتين فما جرى عليه الماء فقد أجزأه » فلو كان معتبراً لوجب عليه التنبيه والبيان.
فتحصل : أن الترتيب بين الجانبين مما لا دليل عليه سوى الإجماعات المنقولة والشهرة المحققة ، والشهرة لا نقول بحجيتها وكذا الإجماعات المنقولة ، لأنها إخبارات حدسية لا تشملها أدلّة اعتبار الخبر الواحد ، ومع القول بذلك في الأُصول لا وجه للاعتماد عليها في الفروع حتى يشمله ما قاله بعض العلماء على ما نقله الشيخ قدسسره في بحث الإجماع المنقول من أنهم إذا وردوا الفقه نسوا ما ذكروه في الأُصول (١). والإجماع المحصل غير حاصل لنا ولا سيما مع مخالفة الصدوقين حيث راجعنا عبارته ولم نرها دالّة على اعتبار الترتيب بين الطرفين (٢). فالصحيح عدم اعتباره بين الجانبين ولكن الاحتياط مع ذلك في محلِّه.
__________________
(١) فرائد الأُصول ١ : ٩٣.
(٢) الفقيه ١ : ٤٦ ٤٩.