الجنابة ، ولا دلالة له على أن ما يعتبر في غسل الميت يعتبر في غسل الجنابة ، وإلاّ فيعتبر في غسل الميت تعدد الغسلات والمزج بشيء من السدر والكافور ولا يعتبر شيء من ذلك في غسل الجنابة ، وإنما شبّه بغسل الجنابة فيما يعتبر فيه ، أعني لزوم إصابة الماء ووصوله إلى تمام البدن بحيث لا تبقى منه ولو بمقدار شعرة واحدة ، فهو يعتبر في غسل الميت أيضاً بهذه الرواية.
على أنّ القاعدة أيضاً تقتضي تشبيه غسل الميت بغسل الجنابة دون العكس ، وذلك لأنّ الجنابة أمر تعمّ به البلوى ويبتلى به عامّة الناس إلاّ نادراً فحكمها أمر يعرفه الجميع وهذا بخلاف غسل الميت ، لأنه لعله مما لا يبتلي به واحد في المائة فيشبه بغسل الجنابة تشبيهاً للمجهول بالمعلوم والضعيف بالقوي فهذا الاستدلال غير تام.
وأمّا ما ورد من أنّ غسل الميت بعينه غسل الجنابة ، لأنّ الميت يجنب حال موته بخروج النطفة التي خلق منها فغسل الميت بعينه غسل الجنابة ، فيندفع بأن أكثرها ضعيفة السند ولا يمكن الاعتماد عليها في الاستدلال. على أن منها ما اشتمل على أن النطفة إنما تخرج منه من ثقبة في بدنه كعينه أو أنفه وأُذنيه ، ولا إشكال في أن خروج النطفة من غير الموضع المعيّن لا يوجب الجنابة فلا يكون الميت جنباً بذلك ولا يكون غسله غسل الجنابة. ثمّ لو سلمنا أنه يجنب بذلك لدلالة الدليل مثلاً على أن الميت يجنب بذلك فلا دليل على أن غسل الجنابة في الأحياء يعتبر فيه ما يعتبر في غسل الجنابة في الأموات.
ثمّ إنّ ممّا يدلّنا على عدم الترتيب بين الطرفين ما ورد في ذيل صحيحة محمّد بن مسلم « فما جرى عليه الماء فقد طهر » (١) وفي ذيل صحيحة زرارة « فما جرى عليه الماء فقد أجزأه » (٢) لما مرّ من أن صب الماء على أحد الطرفين لا يمكن عادة أن يغسل به أحدهما من دون أن يصل منه الماء إلى شيء من الطرف الآخر وهو أمر ظاهر ، فإنه
__________________
(١) الوسائل ٢ : ٢٢٩ / أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ١.
(٢) تقدّم ذكرها في ص ٣٧٣.