عمليّة لهذا النزاع بعد العلم باشتراط الصلاة والصوم بالطّهارة وعدم الجنابة أعني توقفهما على غسل الجنابة إلاّ في موارد نادرة كمن أجنب قبل الوقت وعلم بأنه يقتل بعد ساعة وقبل دخول الوقت ، فإنه بناءٌ على أنه واجب نفسي يجب الإتيان به بخلاف ما إذا كان واجباً شرطياً ، وهذا من الندرة بمكان. نعم تظهر الثمرة غير العمليّة في استحقاق العقاب ، لأنه إذا تركه وترك الصلاة مثلاً فعلى القول بوجوبه النفسي يعاقب بعقابين بخلاف ما إذا قلنا بوجوبه الغيري فإنه لا يعاقب حينئذ إلاّ عقاباً واحداً لتركه الصلاة فحسب ، فالمسألة عادمة الثمرة عملا.
وكيف كان ، استدلّ للقول بوجوبه النفسي بوجوه : منها : قوله سبحانه ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ﴾ (١) بدعوى أن ظاهر الأمر بالاغتسال وإطلاقه أنه واجب نفسي. ويدفعه أن صدر الآية المباركة وذيلها أقوى قرينة على أن المراد به هو الوجوب الغيري ، أعني كونه إرشاداً إلى شرطية الطّهارة من الحدث في الصلاة. أما صدرها فلقوله تعالى ﴿ إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ﴾ لأنه قرينة ظاهرة على أن الأمر بكل من الغسل والوضوء غيري وإرشاد إلى الشرطية. وأمّا ذيلها فلقوله تعالى ﴿ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ﴾ حيث أُقيم التيمم بدلاً عن الغسل ، فلو كان الغسل واجباً نفسياً فلا بدّ من الالتزام بأن التيمم أيضاً واجب نفسي وهو ممّا لا يلتزمون به فالآية لا دلالة لها على المدّعى.
وأمّا الأخبار ، فأظهر ما استدلّ به على هذا المدعى من الأخبار ما ورد في أن الدين الذي لا يقبل الله تعالى من العباد غيره ولا يعذرهم على جهله شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمّداً رسول الله صلىاللهعليهوآله والصلوات الخمس وصوم شهر
__________________
(١) المائدة ٥ : ٦.