وقد يكون الحكم مترتباً على عنوان الجنابة لا على عنوان الحدث وهذا كما في المقام ، لأن دخول المسجد محرم على الجنب لا على المحدث بحدث الجنابة وقد قال الله سبحانه ﴿ وَلا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ ﴾ ولم يقل ولا محدثاً ، وفي مثل ذلك لا ترتفع الأحكام المترتبة على عنوان الجنابة بالتيمم ، لأنه إنما يرفع الحدث ويوجب الطّهارة لا أنه يرفع الجنابة ، حيث لم يرد في شيء من الأخبار والآيات ما يدلّنا على ارتفاع الجنابة بالتيمم ، بل هو جنب متطهر وجنب غير محدث لا أنه ليس بجنب ، لقصور المقتضي أي عدم الدليل ولوجود المانع وهو لزوم أن يكون وجدان الماء سبباً للجنابة حيث إنها ارتفعت بالتيمم ، وبما أن التيمم ينتقض بوجدان الماء فتعود عليه الجنابة بالوجدان ، مع أن سببها أمران : الجماع والإنزال ، وليس وجدان الماء من أسبابها وعليه فلا يجوز للمتيمم بدلاً عن الجنابة أن يدخل المسجد لأنه جنب ولم ترتفع جنابته بتيممه. ويدلّ على ما ذكرناه قوله تعالى ﴿ وَلا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ﴾ (١) حيث جعل غاية حرمة القرب من المسجد للجنب الاغتسال ، فلو كان له غاية أُخرى وهو التيمم لذكره ولما حصرها في الاغتسال مع أنه قال ﴿ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ﴾ ولم يقل تغتسلوا أو تيمموا ، فيدلّ بإطلاقه على أن وظيفته الغسل سواء تيمم أم لم يتيمم.
ونظير المقام ما إذا يمم الميت لعدم الماء أو لجراحة في الميت ولم يغسل فان مسّه موجب لغسل المس ، لأن وجوب الغسل عن المس إنما يترتب على عنوان الميت الذي برد ولم يغسل ولم يترتب على عنوان الميت المحدث بحدث الموت ، والتيمم إنما يرفع الحدث ولا يرفع الموضوع بأن يجعل الميت مغسلاً ، فلو مسّه أحد بعد تيممه لوجب عليه غسل المس أيضاً. وتظهر ثمرة ما ذكرناه في غير هذين الموردين أيضاً كما في البقاء على الجنابة في شهر رمضان ، فان الحكم فيه أيضاً مترتب على الجنابة لا على الحدث.
__________________
(١) النساء ٤ : ٤٣.