الأمر بالمضيّ في الصحيحة وبالاستئناف في هذه الروايات كلّ منهما ظاهر بمقتضى الإطلاق في الوجوب التعييني ، فيرفع اليد عن هذا الظهور في كلّ منهما ويحمل على التخيير بقرينة الأُخرى ، وإن كان الاستئناف أفضل الفردين.

وللمناقشة فيه مجال واسع ، فانّ مثل هذا الجمع إنّما يتّجه في الأحكام النفسية المولوية بعد إحراز وحدة التكليف ، كما لو دلّ دليل على وجوب القصر في مورد ودليل آخر على وجوب التمام ، أو أحدهما على الظهر والآخر على الجمعة ، فانّ كلّاً منهما متكفّل لحكم تكليفي مولوي ، وظاهر الأمر التعيين وحيث لا يحتمل تعدّد التكليف فترفع اليد عنه ويحمل على التخيير.

أمّا في مثل المقام ونحوه فلا يمكن المصير إلى هذا الجمع ، ضرورة أنّ الأمر الوارد في الدليلين إرشاديّ محض ، فإنّ الأمر بالإلقاء والمضيّ الوارد في الصحيحة إرشاد إلى الصحّة ، وليس حكماً تكليفياً ، إذ يسوغ له رفع اليد بناءً على جواز قطع الفريضة. كما أنّ الأمر بالاستيناف الوارد في هذه الأخبار إرشاد إلى البطلان.

ومن الواضح أنّه لا معنى للتخيير بين الصحّة والبطلان ، فإنّهما وصفان للعمل منتزعان من مطابقته للمأمور به وعدمها ، وليسا من أفعال المكلّف كي يكون مخيّراً بينهما. ومنه تعرف أنّه لا معنى لحمل الأمر بالاستيناف على الاستحباب ، إذ مرجعه إلى استحباب الفساد ، ولا محصّل له.

وبالجملة : فهذه الوجوه المذكورة للجمع كلّها ساقطة ، ولا يمكن المساعدة على شي‌ء منها ، فالمعارضة بين الطائفتين مستقرّة ، وحينئذ فامّا أن ترجّح الطائفة الثانية ، حيث إنّها أشهر نصّاً وفتوى وأوضح دلالة وأحوط ، وإلّا فيتساقطان ويرجع إلى ما تقتضيه القاعدة ، ومقتضى حديث لا تعاد حينئذ هو البطلان أيضاً ، للزوم الإخلال بالركن زيادة أو نقيصة على تقديري التدارك

۴۲۲