والكلام في ذلك يقع من جهتين ، إحداهما : صحّة العبادة المراءى فيها وبطلانها من جهة ما تقتضيه القاعدة في نفسها ، وثانيتهما صحتها وفسادها بالنظر إلى الأخبار الواردة في المقام.
أمّا الكلام من الجهة الأُولى فالصحيح صحّة العبادة في مفروض الصورتين حيث صدرت عن داعٍ إلهي مستقل في داعويته ، بحيث لو كان وحده كفى في الداعوية نحو العمل ، بلا فرق في ذلك بين أن ينضم إليه داع آخر غير داعي الامتثال مستقل في داعويته على تقدير وحدته ، أو تبعي لا يستقل في الداعوية في نفسه حتى ينضم إليه داع آخر ، وذلك لأن المعتبر في صحّة العبادة أن تكون صادرة عن الداعي القربي الإلهي المستقل ، وأما انحصار الداعي في ذلك وأن لا يكون معه داع آخر فهو غير معتبر في صحّتها كما يأتي تفصيله عند تعرض الماتن قدسسره في نفس المسألة كما إذا أتى بالعبادة بداع إلهي مستقل منضماً إلى داع آخر مباح أيضاً مستقل في داعويته أو تبعي كقصد التبريد بالوضوء ، حيث يأتي منا هناك أن العبادة إذا كانت صادرة عن داع قربي مستقل في داعويته صحت سواء كان هناك داع آخر أم لم يكن ، لعدم اعتبار انحصار الداعي بالداعي الإلهي ، فلو توضّأ بداعيين أحدهما قربي مستقل والآخر أمر آخر كالتبريد ونحوه ، يحكم بصحة وضوئه لا محالة. فالعبادة المراءى فيها محكومة بالصحة بمقتضى القاعدة.
وأمّا الكلام من الجهة الثانية فقد عرفت أن حرمة الرِّياء مما لا ينبغي الإشكال فيه بمقتضى الأخبار المستفيضة وما ورد في ذمّه من الآيات (١) بل هو في مرتبة شديدة من الحرمة حتى عبر عنه بالشرك في جملة من رواياته ، كما أن الرِّياء وجه من وجوه العمل والعبادة وليس من وجوه القصد النفساني ، لأن العمل بنفسه رياء كما في قوله تعالى ﴿ وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النّاسِ ﴾ أو ﴿ كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النّاسِ ﴾ وقوله تعالى ﴿ الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ ﴾ ، وعليه فالأخبار الواردة في حرمة الرِّياء منطبقة
__________________
(١) تقدّمت الإشارة إلى مواضع الآيات في صدر المسألة فلاحظ.