وقد مرّ أن قصد الأمر الغيري غير معتبر في صحّة الوضوء ، لعدم استناد عباديته إلى الأمر الغيري هذا.
بل لو قلنا بأن عبادية الوضوء نشأت من أمره الغيري أيضاً لا يجب تعيين المأمور به عند اجتماع غايات متعدِّدة ، وذلك لأن تعيين المأمور به لم يدل على اعتباره دليل وإنما نقول باعتباره في الموارد التي لا يتعيّن المأمور به ولا يتحقق إلاّ بتعيينه وقصده وهذا كما إذا صلّى ركعتين بعد طلوع الفجر ، لأنه لا بدّ من تعيين أنهما فريضة أو نافلة فلو لم يعين إحداهما بطلت ، لتقوم كل من الفريضة والنافلة بقصدها وبتعيينها.
وهذا بخلاف المقام ، لأن الواجب متعيّن في نفسه ولا حاجة فيه إلى التعيين ، وذلك لأن الحصّة الموصلة من الوضوء إلى صلاة الفريضة ممتازة عن الحصّة الموصلة إلى قراءة القرآن ، وهي غير الحصّة الموصلة منه إلى زيارة الإمام عليهالسلام فالحصص في أنفسها ممتازة كما أن ما يأتي به متعين في علم الله ، لعلمه تعالى بأنه موصل للقراءة أو للزيارة ، فبناء على أن عبادية الوضوء ناشئة عن أمره الغيري لا مناص من قصد أمره الغيري في صحّة الوضوء ، إلاّ أنه لا يجب عليه تعيين ذلك الأمر الغيري وأنه يأتي بالوضوء بغاية كذا ، بل لو أتى به للتوصل به إلى شيء من غاياته من دون علمه بأنه يأتي بالفريضة بعد ذلك أو بالزيارة أو بغيرهما صح ، لأنه أتى به وأضافه إلى الله سبحانه بقصد أمره الغيري وهو متعيّن في علم الله سبحانه ، لعلمه تعالى بأن هذا الوضوء هو الذي يوصله إلى الفريضة أو إلى النافلة أو إلى الزيارة وإن لم يعلم به المتوضي ، لأنه إنما يعلم به بعد الإتيان بالغاية. ومع تعيّن المأمور به في نفسه وفي علم الله سبحانه لا حاجة إلى تعيينه في مقام الامتثال ، لأنه مما لم يدلّ دليل على اعتباره في الواجبات وإنما نعتبره فيما إذا توقف تحقق الواجب وتعيينه إلى التعيين كما في مثل النافلة والفريضة أو القضاء والأداء ، هذا كله في غير النّذر.