ثانيهما : أن غسل البدن يتعلق للأمر من جهتين : من جهة إزالة الخبث كما في موثقة عمار : « فعليه أن يغسل ثيابه ، ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء » (١) وغيره من الأوامر الواردة في غسل البدن أو صبّ الماء عليه لتطهيره (٢) ، ومن جهة إزالة الحدث كما في صحيحة زرارة الآمرة بغسل البدن من القرن إلى القدم (٣) ، وحيث إنّ الأصل عدم التداخل فلا بدّ من أن نلتزم بتعدد غسل البدن فتارة من جهة الأمر بغسله لإزالة الخبث وأُخرى من جهة الأمر بإزالة الحدث ، لاستحالة تعلق أمرين أو أزيد على طبيعة واحدة فلا محالة يقيد متعلق كل منهما بما هو غير متعلق الآخر هذا.
ولا يخفى أن الطبيعة الواحدة إذا تعلق بها أمران فصاعداً وإن كان مقتضى الأصل عدم التداخل فيه ، لأن كل شرط وسبب يستدعي مسبباً عليحدة ، ويستحيل أن يبعث نحو الشيء الواحد ببعثين ويطلب مرّتين ، كما إذا ورد إن أفطرت فكفّر وإن ظاهرت فكفّر ، فيقيد متعلق كل منهما بفرد دون الفرد الآخر الذي تعلق عليه الطلب الآخر. إلاّ أن ذلك فيما إذا كان الأمران مولويين تكليفيين كما في المثال ، وأما إذا كانا إرشاديين فلا مانع من تداخلهما ، وليس الأصل فيهما عدم التداخل.
والأمر في المقام كذلك ، لأن الأمر بغسل البدن من جهة إزالة الأخباث إرشاد إلى نجاسة البدن بإصابة الماء المتنجس أو غيره له كما أنه إرشاد إلى أن نجاسته لا ترتفع بغير الغسل ، وكذا الأمر بغسل البدن من جهة إزالة الحدث لأنه إرشاد إلى شرطية غسل تمام البدن في الغسل. وأي محذور في اجتماعهما على طبيعة واحدة؟ بل لا مناص عنه أخذاً بإطلاقهما ، فنلتزم أن الغسل مما يزال به نجاسة البدن كما أنه شرط في صحّة الغسل فلا موجب لتقييد كل منهما بفرد غير ما تعلّق به الآخر ، فانّ الموجب للقول بعدم التداخل إنما هو استحالة طلب الشيء مرّتين وعدم معقولية البعث نحو الشيء ببعثين الذي هو نظير محذور اجتماع المثلين في شيء واحد ، وهذا كما ترى مختص
__________________
(١) الوسائل ١ : ١٤٢ / أبواب الماء المطلق ب ٤ ح ١.
(٢) الوسائل ١ : ٣٤٣ / أبواب أحكام الخلوة ب ٢٦ وغيره من الأبواب.
(٣) الوسائل ٢ : ٢٣٠ / أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٥.