الوضوء مع الجبيرة أو التيمم وظيفة المعذور عن الوضوء التام بحيث لا يتمكن من إتيانه ، وأما من كان متمكناً من الوضوء التام ثمّ أدخل نفسه في ذوي الأعذار فهو خارج عن مصب الأخبار رأساً. وعليه فالقول الوسط بين هذين القولين أن يقال : إن الوضوء مع الجبيرة كالتيمم طهارة حقيقية ولكنها في طول الطّهارة بالوضوء التام بمعنى أنهما في حق المعذور يقابلان الوضوء والوضوء التام في حق الواجد وغير المعذور ، فهما طهارتان في ظرف المعذورية لا في عرض الوضوء والوضوء التام.
ولا يرد على ذلك أن لازمه جواز التفويت الاختياري بإراقة الماء بعد الوقت وجعل نفسه فاقداً للماء بالاختيار أو بإيجاد كسر أو قرح في بدنه اختياراً ، فإنه بعد إدخال نفسه تحت عنوان الفاقد أو الجريح والكسير يكون التيمم أو الوضوء مع الجبيرة طهارة حقيقية في حقه ، ورافعة كالوضوء والوضوء التام في حق الواجد وغير الجريح والكسير.
والوجه في عدم ورود ذلك على ما ذكرناه هو أن مقتضى ما قدّمناه من اختصاص أدلّة التيمم والوضوء مع الجبيرة للمعذور غير المتمكن من الوضوء المأمور به عدم وجوب الصلاة على من فوّت على نفسه وأراق الماء أو جرح نفسه ، وذلك لعدم كونه معذوراً غير متمكن من الوضوء المأمور به ، لأنه كان متمكناً منه على الفرض وقد أدخل نفسه في موضع الفاقد أو العاجز بالاختيار ، والامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار فلا طهارة في حقّه والصلاة ساقطة بالإضافة إليه ويعاقب من جهة تفويته الاختياري ، ولكن الإجماع القطعي دلّنا على أن الصلاة لا تسقط بحال فمنه استكشفنا أن وظيفته بعد تفويته هي الصلاة مع التيمم أو الوضوء مع الجبيرة ، فهما طهارتان حقيقيتان في حقّه وليستا في عرض الوضوء التام بل في طوله. على أنهما في حق المعذور بالاختيار لا يقابلان الوضوء التام للصحيح ، بل يصح أن يقال إنهما طهارتان في مرتبة نازلة من الوضوء التام ، لعدم كونهما وافيين بالملاك مثل الوضوء التام ، كما أنه يعاقب من تلك الناحية أي من ناحية تفويته مقداراً من المصلحة حيث عجز نفسه عن الإتيان بالوضوء التام واستيفاء ملاكه ، ويحكم بصحّتهما للإجماع الكاشف عن اشتمالهما على مقدار من المصلحة لازم الاستيفاء حينئذ.