بل ولو كان جزءاً مستحبّاً على الأقوى (١)
الرِّياء في الجزء المستحب
(١) قد ظهر الحال في ذلك مما بيّناه في الرِّياء في الجزء الوجوبي ، لأن الرِّياء في مثل القنوت إنما يوجب بطلان ذلك الجزء المستحب وهو الذي أشرك فيه مع الله تعالى غيره فيحكم ببطلانه دون مجموع العمل كما مرّ في الجزء الوجوبي. وبالجملة : إنه إذا قلنا بعدم بطلان العبادة بإتيان الجزء الوجوبي رياء فلا نقول ببطلانها عند إتيان الجزء الاستحبابي بداعي الرِّياء كما عرفت.
وهل يحكم ببطلان العبادة بإتيان الجزء المستحب بداعي الرِّياء فيما إذا قلنا بذلك في الجزء الوجوبي ، أو لا نقول ببطلانها من جهة الرِّياء في الجزء المستحب؟ الصحيح هو الثاني ، وأن الرِّياء في الجزء المستحب لا يوجب بطلان العبادة وإن قلنا ببطلانها بالرياء في الجزء الواجب. والسر في ذلك ما ذكرناه في بحث الأُصول من أنه لا معنى متحصل للجزء المستحب ، حيث إن وجوب شيء مع كون جزئه مستحباً أمران متنافيان (١) ، ولا يمكن أن يكون المستحب جزءاً من ماهية الواجب ، لاستحالة تقوم الماهية الواجبة بالأمر المستحب الذي له أن يأتي به وله أن يتركه ، كما أنه لا يمكن أن يكون جزءاً من فردها ، حيث إن الواجب إذا كان مركباً من أُمور متعدِّدة وأتى بها المكلّف خارجاً كان ذلك فرداً من الماهية الواجبة ، ومع عدم كون المستحب أو غيره جزءاً من الماهية كيف يعقل أن يكون جزءاً من فردها ومصداقها ، فلا معنى للجزء المستحب إلاّ أحد أمرين :
أحدهما : أن يكون الأمر المستحب عبادة مستقلّة في نفسها إلاّ أن ظرفها هو العبادة الواجبة ، فكما قد يستحب إتيان بعض الأُمور قبل العبادة أو بعدها كذلك لا مانع من استحباب بعض الأُمور في أثنائها على أن يكون ظرف ذلك المستحب هو العبادة الواجبة ، فهما عبادتان إحداهما ظرف والأُخرى مظروف ، ومن الظاهر أن
__________________
(١) مصباح الأُصول ٣ : ٣٠٠.