[٢٩٨٠] مسألة ١ : لا خلاف في أن وجوب الحجّ بعد تحقق الشرائط فوري (١) بمعنى أنه يجب المبادرة إليه في العام الأوّل من الاستطاعة ، فلا يجوز تأخيره عنه ، وإن تركه فيه ففي العام الثاني ، وهكذا. ويدلُّ عليه جملة من الأخبار.


والأولى في توجيه هذه الروايات أن يقال : إنها ناظرة إلى ما كان يصنعه أهل الجاهلية من عدم الإتيان بالحج في بعض السنين لتداخل بعض السنين في بعض بالحساب الشمسي ، فإن العرب كانت لا تحج في بعض الأعوام ، وكانوا يعدون الأشهر بالحساب الشمسي ، ومنه قوله تعالى ﴿إِنَّمَا النَّسِي‌ءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ (١) ، وربّما لا تقع مناسك الحجّ في شهر ذي الحجة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ردا عليهم بأن الحجّ يجب في كل عام وأنه لا تخلو كل سنة عن الحجّ.

وبالجملة : كانوا يؤخِّرون الأشهر عمّا رتبها الله تعالى ، فربّما لا يحجون في سنة وقد أوجب الله تعالى الحجّ لكل أحد من أهل الجدة والثروة في كل عام قمري ، ولا يجوز تغييره وتأخيره عن شهر ذي الحجة. فالمنظور في الروايات أن كل سنة قمرية لها حجّ ولا يجوز خلوها عن الحجّ ، لا أنه يجب الحجّ على كل أحد في كل سنة ، ولعل هذا الوجه الذي ذكرناه أحسن من المحامل المتقدمة ، ولم أر من تعرّض إليه.

(١) لأنّ المكلف إذا كان واجداً للشرائط وتنجز التكليف عليه فلا بدّ له من تفريغ ذمّته فوراً ولا عذر له في التأخير مع احتمال الفوت ، فلا بدّ له من تفريغ الذمّة. وأما جواز التأخير في بعض المؤقتات كتأخير الصلاة عن أوّل وقتها أو تأخير القضاء وعدم وجوب المبادرة إليها ، فإنما هو لأجل حصول الاطمئنان والوثوق غالباً ببقائه والتمكّن من إتيان الواجب في آخر الوقت ، حيث إن الوقت قصير يحصل الوثوق والاطمئنان غالباً للمكلّفين ببقائهم ، بخلاف زمان الحجّ ، فإن الفصل طويل جدّاً ،

__________________

(١) التوبة ٩ : ٣٧.

۳۹۵