يمكن أن يقال باشتغال الذمّة بذلك بمجرّد الوجوب الأوّل ، بل لا بدّ في وجوبه في الوقت الثاني من دليل آخر.

فتحصّل من جميع ما ذكرنا : أن الواجبات الإلهية ليست حالها حال الدّين ، فإذا مات المكلف يقضى عنه من الثلث إن أوصى به وإلّا فلا. نعم ، الحجّ يقضى من أصل التركة سواء أوصى به أم لا للنص ، وقد ذكرنا تفصيل هذا البحث في قضاء الصلاة (١).

والحاصل : أن الأقوال في المسألة ثلاثة :

الأوّل : ما اختاره المصنف قدس‌سره من وجوب القضاء في مطلق الواجبات سواء كانت متعلقة للنذر أم لا ، وسواء كان المنذور الحجّ أم غيره.

الثاني : ما ذهب إليه بعضهم من التفصيل من وجوب القضاء في متعلق النذر سواء كان الحجّ أم غيره ، وأمّا إذا لم يكن الواجب متعلقاً للنذر فلا يجب القضاء.

الثالث : ما ذهب إليه الشيخ صاحب الجواهر قدس‌سره من التفصيل بين نذر الحجّ وغيره ، وأن المنذور لو كان الحجّ يجب القضاء ولو كان غيره لا يجب ، فالقضاء ثابت في نذر الحجّ سواء كان نذر الحجّ مطلقاً أو مقيداً بسنة خاصّة (٢).

ولا يخفى : أنه لم يرد أي نص في المقام يدلّ على وجوب القضاء لا بالنسبة إلى الناذر ولا بالنسبة إلى وليّه حال موت الناذر ، فلا بدّ من البحث على ما تقتضيه القاعدة.

فنقول : أمّا ما اختاره المصنف قدس‌سره فقد عرفت أنه مبني على أن جميع الواجبات الإلهية ديون لله تعالى ولها جهة وضع وذمّة المكلّف مشغولة بها ، ولا يسقط ما في ذمّته إلّا بتفريغ الذمّة وتسليم العمل إلى المولى ، إمّا بالإتيان بنفسه أو بالقضاء عنه نظير الديون الشخصية للناس.

وفيه : ما تقدّم أنّ ما ذكره من حيث الكبرى مسلم ، فإنّ الإيجاب والتكليف يقتضيان اشتغال ذمّة المكلف ، بل ذكرنا في الأُصول (٣) أن الوجوب ليس إلّا اعتبار

__________________

(١) في المسألة [١٨١٥].

(٢) الجواهر ١٧ : ٣٤٦.

(٣) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ١٣١.

۳۹۵