إذا عرفت ذلك فاعلم : أن الحكم الحقيقي المشترك بين العالم والجاهل هو ما ذكرنا ، فإنه الذي يعقل أن يبلغ درجة الفعلية والتنجز. ومن الواضح أن مثله لا يعقل أن يتقيّد بعدم الجهل به ، أو بعدم قيام الأمارة على خلافه ، بل نفس الجهل به وعدم وصوله كاف في عدم بلوغه درجة الفعلية ، ووجود الحكم بهذا المعنى لا يمنع عن بعث فعلي آخر على وفاقه أو على خلافه ؛ لأن حقيقة البعث إنما تنافي بعثا آخر ؛ لاستحالة علّية كلّ منهما لداع مماثل أو مضادّ ؛ لاستحالة انقداح داعيين متماثلين أو متقابلين نحو فعل واحد.
ومن الواضح أن الحكم الواقعي وإن كان بداعي جعل الداعي ، إلا أنه ـ كما عرفت ـ لا يعقل أن يتّصف بالدعوة إمكانا بماله من الوجود النفس الأمري ، بل إذا وصل إلى من اريد انبعاثه ، فهذا سرّ فعلية البعث الطريقي دون الواقعي ، لا مانعية مصلحة الأمر الطريقي عن تأثير مصلحة الأمر الواقعي في فعليته.
ومنه ظهر : أن مصلحة الحكم الواقعي تامّة ، وأن مصلحة المؤدّى لو كانت غالبة على مصلحة الواقع ، لاقتضت سقوط الحكم الواقعي ؛ لأن بقاء المعلول ببقاء علته ، ومن البين أن العلّة التامّة للإنشاء بداعي البعث نفس مصلحة الواقع ، وأنّ عدم بلوغه إلى درجة الفعلية ليس لقصور في مصلحة الواقع كي يكون نسبته إلى الحكم الفعلي نسبة المقتضي إلى المقتضى ليكون الكسر والانكسار في فعلية التأثير ، بل حقيقة الحكم المنبعث عن علّته التامّة نفس
__________________
بحسب مقام الفعلية. وبقية الكلام في مسألة التخطئة والتصويب من مباحث الاجتهاد والتقليد ، ومن الله ـ تعالى ـ التسديد. [ منه قدس سره ] ..
__________________
(١) سبق أن أشرنا إلى عدم ورود هذا الفعل ـ في اللغة ـ بمعنى النقرة والمنافاة ، وأنه بمعهى : فاخر أو حاكم ، فراجع.