فتراد تلك اللوازم على وجه الكناية أو على وجه آخر.
وربما يمكن إصلاح تعدّد البطون بتعدّد المحقّقات والمصاديق لمعنى واحد ، مثلا : الطريق والميزان لهما معنى معروف ، وهما ما يسلك فيه ويوزن به ومحقّقاتهما كثيرة : منها الطريق الخارجي ، وما له كفتان ، ومنها الامام ـ عليه السلام ـ ؛ حيث إنه السبيل الأعظم والصراط الأقوم الذي لا يضل سالكه ، وبه ـ عليه السلام ـ يعرف صحة الأعمال وسقمها وخفتها وثقلها ، إلى غير ذلك من المصاديق المناسبة ، وإرادة المصاديق المتعددة ـ في كل مورد بحسبه ـ لا تنافي الاستعمال في معنى واحد يجمع شتاتها ، ويحوي متفرّقاتها.
ونظير إشكال تعدّد البطون ، ما ورد من طلب الهداية عند قراءة قوله عزّ من قائل : ( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) ، ونحوه في غيره ، فإنّ محذور ـ الاستحالة تعدّد المحكيّ عنه مع وحدة الحاكي ، وهو جار هنا ؛ لأن القراءة هي الحكاية عن اللفظ باللفظ المماثل ، والإنشاء قصد ثبوت المعنى باللفظ ، ولا يمكن استعمال اللفظ في اللفظ وفي المعنى.
وربما يجاب عنه : بأنّ المعنى يقصد من اللفظ الذي هو المعنى ، كما في أسماء الأفعال عند من يجعلها موضوعة لألفاظ الأفعال فلم يلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى ، بل استعمل كل لفظ في معنى.
وفيه : أن قصد المعنى من اللفظ المحكي عنه باللفظ أوضح استحالة من قصده من اللفظ الحاكي ؛ ضرورة أن الاستعمال كذلك غير معقول ـ سواء كان الاستعمال بمعنى الإعلام والتفهيم ، أو بمعنى إيجاد المعنى باللفظ ، أو بمعنى إفناء اللفظ في المعنى وجعله وجها وعنوانا له ـ فإنّ هذه الأوصاف لا يوصف بها ما لا وجود لها خارجا ، بل جعلا وتنزيلا ، مع أنّ الفرض إنشاء المعنى باللفظ فاللفظ مما ينشأ به ويتوسل به إلى ثبوت المعنى ، وهذا مع عدم تحقق ما ينشأ به ويتوسل به غير معقول ؛ إذ ليس الانشاء مجرد قصد المعنى كما لا يخفى.