دقيق العرض بمجرّد تصوره اختياريا ، وكذلك ليس الرضا بلا علم ، وإلا كانت جميع الآثار والمعاليل الموافقة لطبائع مؤثّراتها وعللها اختيارية. بل الاختياري هو الفعل الصادر عن شعور ورضا ، فمجرّد الملاءمة والرضا ـ المستفادين من نظام الخير والصلاح التامّ ـ لا يوجب الاختيارية ، بل يجب إضافة العلم إليهما.
فما به يكون الفعل اختياريا منه ـ تعالى ـ هو العلم بنظام الخير ، لا أن الإرادة فيه ـ تعالى ـ بمعنى العلم بنظام الخير.
وهذا الذي ذكرنا مع موافقته للبرهان مرموز [ اليه ] في كلمات الأعيان (١) ، بل مصرح به في كلمات جملة من الأركان.
وأما توهم : أن الإرادة بمعنى الجدّ ، وفيه ـ تعالى ـ جدّ يناسب مقام ذاته.
ففيه أن الجدّ لا معنى له هنا إلا ما يعبّر عنه : تارة بتصميم العزم ، واخرى بإجماع الرأي ، وهو لا يناسب مقام ذات الواجب ، بل يناسب الممكن الذي يحصل له التردّد ، ويتعقبه حينئذ تصميم العزم وإجماع الرأي.
ثم إن تقسيم الإرادة إلى التكوينيّة والتشريعية ؛ باعتبار تعلّق الاولى بفعل المريد بنفسه ، وتعلّق الثانية بفعل الغير ـ أعني المراد منه ـ.
توضيحه : أنّ فعل الغير إذا كان ذا فائدة عائدة إلى الشخص ، فينبعث ـ من الشوق إلى تلك الفائدة ـ شوق إلى فعل الغير بملاحظة ترتّب تلك الفائدة العائدة إليه ، وحيث إنّ فعل الغير ـ بما هو فعل اختياري له ـ ليس بلا واسطة مقدورا للشخص ، بل بتبع البعث والتحريك إليه ؛ لحصول الداعي للغير ، فلا محالة ينبعث للشخص شوق إلى ما يوجب حصول فعل الغير اختيارا ، وهو تحريكه إلى الفعل.
__________________
(١) القبسات للسيد الداماد (رحمه الله) ـ تحقيق الدكتور مهدي محقق ـ ص : ٣٢٢ ، والأسفار ٦ : ٣٣٣.