توضيحه : أن حقيقة إرادته ـ تعالى ـ مطلقا هو العلم بالصلاح ، فإن كان المعلوم ما هو صلاح بحسب النظام الكلّي ، فنفس هذا العلم ـ من دون حالة منتظرة ـ علة للتكوين ، فإن المحلّ قابل يسأل بلسان استعداده الدخول في دار الوجود ، والمبدأ تامّ الإفاضة لا بخل في ساحته المقدسة ، والوجود ـ بما هو ـ خير محض ، فلا محالة يستحيل تخلّف المراد عن هذه الارادة ، وإن كان المعلوم ما هو صلاح بحسب بعض الأشخاص ـ لا بحسب النظام التامّ ـ فحيث إن مقتضى العناية الربانية سوق الأشياء إلى كمالاتها وإعلام المكلّفين بصلاحهم وفسادهم ، فهذا العلم يقتضي تحريكهم إلى ما فيه الصلاح والرشاد ، وزجرهم عما فيه الفساد ، فهذه الإرادة متعلّقة بالبعث والتشريع ـ دون الخلق والتكوين ـ فلذا تكون علة للتشريع دون التكوين ، فلم يلزم استحالة التخلّف ، ولا اجتماع الضدين أو المتناقضين. وتفسير الإرادة بالعلم بالصلاح نظير تفسير السمع والبصر فيه ـ تعالى ـ بالعلم بالمسموعات والمبصرات.
وتحقيق هذا المرام يستدعي طورا آخر من الكلام ربما لا يسعه بعض الأفهام ، ولا بأس بالإشارة إلى نبذة مما يتعلّق بالمقام ، فنقول ـ وبالله الاعتصام ـ :
لا ريب عند أهل النظر أن مفاهيم الصفات ـ حسبما يقتضيه طبعها ـ متفاوتة متخالفة ، لا متوافقة مترادفة ، وإن كان مطابقها واحدا بالذات من جميع الجهات ، فكما أن مفهوم العلم غير مفهوم الذات وسائر الصفات ، وإن كان مطابق مفهوم العلم والعالم ذاته بذاته ؛ حيث إن حضور ذاته لذاته بوجدان ذاته لذاته وعدم غيبة ذاته عن ذاته ، كذلك ينبغي أن يكون مفهوم الإرادة بناء على كونها من صفات الذات ـ كمفهوم العلم ـ مبائنا مع الذات ومفهوم العلم ، لا أن لفظ الإرادة معناه العلم بالصلاح ، فان الرجوع الواجب هو الرجوع في