عليه ، ولا يمكن أن يصير باعثا وداعيا وزاجرا وناهيا ، بل إنما يعقل أن يصير بعثا جدّيا وتحريكا حقيقيا إذا انشئ بهذا الداعي.
ولا يخفى عليك : أنّ الإنشاء بالداعي المزبور هو تمام ما بيد المولى ، وبلوغه إلى حيث ينتزع عنه عنوان البعث والتحريك يتبع وصوله إلى المكلّف بنحو من أنحاء الوصول ، لا لتلازم البعث والانبعاث كتلازم الإيجاد والوجود ؛ ضرورة دخالة إرادة المأمور واختياره في انبعاثه ، مع أن البعث بعث فعلي أراد المأمور امتثاله ، أم لا ، بل لأنّ المراد من البعث الحقيقي والتحريك الجدي ، جعل ما يمكن أن يكون باعثا وداعيا ومحرّكا وزاجرا وناهيا.
ومن الواضح أن الإنشاء بداعي البعث لا يعقل أن يتّصف بإمكان الباعثية والدعوة ، إلاّ بعد وصوله إلى المأمور لوضوح أنّ الأمر الواقعي ـ وإن بلغ من القوة ما بلغ ـ لا يمكن أن يصير بنفسه باعثا وداعيا ، وإن خلا المأمور عمّا ينافي مقتضيات الرقية ، وعما ينافر (١) رسوم العبودية ، بخلاف الواصل. فافهم واستقم.
__________________
فما عن الشيخ الأعظم ـ قدس سره ـ في مبحث الظن من رسائله (أ) ـ من أنه لا تصويب هنا ، فإن المراد من الحكم الواقعي الذي يلزم بقاؤه هو الحكم المتعلق بالعباد الذي يحكي عنه الأمارة إلى آخر كلامه ـ غير مفهوم المراد فإنه إن اريد أنّ الحكم المتعلّق بالعباد بنحو القضية الحقيقية تعلّق بمثل هذا الموضوع الذي ليس فيه ملاك الحكم ، فهو التزام بوجود المعلول بلا علة ، وإن اريد أنّ عنوان الموضوع المحكوم عليه ظاهرا متقيد بما يقتضي وجود حكم واقعي ، فهو التزام بثبوت الحكم عنوانا لا حقيقة وإلاّ لجرى في غالب أقسام التصويب. هذا إذا كانت المفسدة مندكّة في المصلحة ، وأما إذا كانت موجودة حقيقة ، ومزاحمة في التأثير بمصلحة الحكم الظاهري ، ففرض المزاحمة والعلية وسقوط المفسدة عن التأثير وإن كان يقتضي عدم بقاء الحكم الواقعي إلا أنك قد عرفت في الوجه الثاني أن لا مزاحمة في التأثير لا بحسب مقام الإنشاء ولا
__________________
(أ) فرائد الأصول : ٣٠ في وقوع التعبد بالظن عند قوله : ( ففيه أن المراد بالحكم الواقعي ... )