فالإرادة التشريعية ليست ما تعلق بالتحريك والبعث ـ فإنهما من أفعاله ، فلا مقابلة بين التشريعية والتكوينية ـ بل التشريعية هي الشوق المتعلّق بفعل الغير اختيارا ، وأما إذا لم يكن لفعل الغير فائدة عائدة إلى الشخص ، فلا يعقل تعلّق الشوق به ؛ بداهة أن الشوق النفساني لا يكون بلا داع.
نعم ربما يكون إيصال النفع إلى الغير بتحريكه ـ أمرا ، أو التماسا ، أو دعاء ـ ذا فائدة عائدة إلى الشخص ، فينبعث الشوق إلى ايصال النفع بالبعث والتحريك ، ولا وجه لعدّ مثله إرادة تشريعية ، فان متعلّقها إيصال النفع إلى الغير بتحريكه ، وهو فعله لا فعل الغير.
إذا عرفت ما تلونا عليك فاعلم : أن حقيقة إرادته ـ تبارك وتعالى ـ في مرتبة ذاته ابتهاج ذاته بذاته ؛ لما سمعت غير مرة : أنه ـ تعالى ـ صرف الوجود ، والوجود ـ بما هو وجود ـ خير محض ، فهو صرف الخير ، والخير هو الملائم اللذيذ الموجب للابتهاج والرضا ، فهو صرف الرضا والابتهاج ، كما كان صرف العلم والقدرة ـ لا ان منه ما هو علم ، ومنه ما هو قدرة ، ومنه ما هو إرادة ـ فالمراد بالإرادة الذاتية نفس ذاته المقدّسة بالذات ، كما أن المعلوم في مرتبة ذاته بالذات نفس ذاته ، وكما أن غيره معلوم ـ بنفس علمه بذاته ـ بالعرض والتبع ، كذلك غيره محبوب بالعرض والتبع بنفس محبة ذاته لذاته ، وكما أنّ كل ما يوجد في دار الوجود له نحو من الحضور في مرتبة الذات لا بالذات ، بل بالعرض ، كذلك كل ما يدخل في دار التحقق له نحو من المرادية والمحبوبية في مرتبة الذات بمرادية الذات لا بمرادية اخرى بالعرض لا بالذات ، وإن كان لكلّ موجود معلومية اخرى ومرادية اخرى في غير مرتبة الذات.
ومن ذلك كله يظهر للفطن العارف : أن النظام التامّ الإمكاني صادر على طبق النظام الشريف الربّاني ، وهذا أحد الأسرار في عدم إمكان نظام أشرف من هذا النظام ، وحيث لم يقع الكفر من المؤمن والإيمان من الكافر ، كشف ذلك عن