الوضع لا يقتضي سقوط كلفة نصب القرينة ؛ لعدم هجر المعنى الأصلي بمجرد طروّ وضع آخر ، غاية الأمر أن القرينة في المجاز تتصف بعنوانين من الصارفية والمعيّنيّة ، وفي المشترك بالأخير فقط ، وهو غير فارق قطعا ، فتأمل.
٤٢ ـ قوله [ قدس سره ] : ( والدلالة عليه بنفسه لا بالقرينة ... الخ ) (١).
هذا بناء على ما هو المشهور من أن الوضع تعيين اللفظ للدلالة على المعنى بنفسه إخراجا بالقيد الأخير للمجاز ؛ حيث إن الدلالة فيه بالقرينة. فاذا استعمل الشارع ـ مثلا ـ اللفظ في غير ما وضع له قاصدا به الحكاية عنه بنفسه ، فقد خصصه به ؛ حيث لا حقيقة للوضع إلا ذلك.
ويمكن أن يقال : إن نحو حكاية اللفظ عن معناه الحقيقي والمجازي واحد.
توضيحه : أن الدلالة كون اللفظ بحيث يفهم منه المعنى ، وهذه الحيثية مكتسبة : تارة من الوضع بمعنى أن وضع الواضع يوجب كون اللفظ بحيث يفهم منه المعنى إن التفت إلى الوضع. واخرى من القرينة ، فاللفظ (٢) المستعمل في معناه المجازي بحيث يفهم منه ذلك المعنى إن التفت إلى القرينة.
فكما أن وضع الواضع يوجب تحيث اللفظ بهذه الحيثية ، وهو واسطة لثبوتها له ، كذلك القرينة توجب تحيث اللفظ بهذه الحيثية ، وهي واسطة في ثبوتها له ، وإلا فالدلالة ـ على أيّ حال ـ قائمة باللفظ المستعمل في المعنى ، لا به وبالقرينة معا في المجاز ، كما لا قيام لها باللفظ والوضع في الحقيقة.
والتحقيق : أن تعيين اللفظ لمعنى يوجب تعينه ـ تبعا ـ لما يناسبه ، فان مناسب المناسب مناسب ، فاللفظ بواسطة الوضع له صلوح الحكاية به عن
__________________
(١) الكفاية : ٢١ / ٥.
(٢) لا تخلو العبارة من غضاضة ، ولعلّ الأولى ( كاللفظ ) بدل ( فاللفظ ) والأصوب فيها هكذا ؛ واخرى من القرينة ؛ أي أنها توجب فهم المعنى المجازي من اللفظ المستعمل فيه إن التفت إليها.