ولعل الجواب المزبور من أجل عدم الاعتناء بالمبنى المذكور ، وأنه لا نقول بالعقاب من أجل حكم العقلاء بالاستحقاق حتى يرد علينا إشكال انتهاء الفعل إلى ما لا بالاختيار ، بل نقول بأن الفعل الناشئ عن هذا المقدار من الاختيار مادة لصورة اخروية ، والتعبير بالاستحقاق بملاحظة أن المادة حيث كانت مستعدة ، فهي مستحقة لإفاضة الصورة من واهب الصور.
ومنه تعرف : أن نسبة التعذيب والإدخال في النار إليه ـ تعالى ـ بملاحظة أن إفاضة تلك الصورة المؤلمة المحرقة التي تطّلع على الأفئدة منه ـ تعالى ـ بتوسّط ملائكة العذاب ، فلا ينافي القول باللزوم مع ظهور الآيات والروايات في العقوبة من معاقب خارجي.
نعم يبقى الإشكال من جهات لا ينبغي إهمالها ، وقطع النظر عن دفعها :
منها : أنه ما الموجب لاختيار التعذيب والمعاقبة من المختار الرحيم بعد استحالة التشفّي في حقّه ـ تعالى ـ بناء على مبنى الاستحقاق عقلا أو شرعا؟
ويجاب عنه بأحد وجهين :
الأوّل (١) ـ انّ التعذيب من باب تصديق التخويف ، والإيفاء بالوعيد
__________________
(١) قولنا : ( إن التعذيب من باب تصديق .. الخ ).
هذا الجواب مبني على ما يناسب طريقة المتكلمين ، إلا أنه باطل على مذاق أهل المعرفة ، أما وجه بطلانه فلأنّ ما يصحّحه من جعل العقاب حفظا للنظام إنّما يناسب حفظ النظام الاجتماعي البشري ، فإنّ جعل الجزاء لا يطلب منه إلاّ حفظ النظام الاجتماعي ، وإجراءه أيضا بهذه الغاية لئلا يرتكب المحرّم ثانيا ، ولئلاّ يتجرّأ على مثله غيره ، ومثل هذه النتيجة لا يرقب في الآخرة حتى يكون العقاب لهذه الغاية ، مع أن جعل العقاب على عمل في الآخرة التزام بفعل اختياري في الآخرة لغرض لا محالة ، ومن المستهجن المستقبح جدا الالتزام بإجراء العقاب في الآخرة ، تصديقا لهذا الالتزام الذي لا سبب له غيره ، بل التحقيق : أنّ هذا الجعل وذاك الإجراء في الدار الآخرة كسائر الإيجادات منه تعالى ، فإنه ـ تعالى ـ هو غاية الغايات ، ومعروفية ذاته بتمام أسمائه وصفاته هي الغاية لجميع أفعاله التي هي أنحاء تجليلاته وظهوراته ، فظهور اسم