الإطلاقي ، وهذه جهة تلي الربّ ، وجهة انتساب إلى العبد ؛ حيث إنه أثر وجوده الحقيقي ، وهي جهة تلي الماهية ، فكما أن وجوده وجوده حقيقة وبلا عناية ، ومع ذلك فهو فعل الله وصنعه حقيقة ، كذلك إيجاده إيجاده حقيقة وبلا تجوّز ، ومع ذلك فهو أثر فعله ـ تعالى ـ بلا مجاز ، فاذا تمكّن العبد من نفي وجوده عن نفسه تمكّن من نفي إيجاده عن نفسه.
ولا يخفي عليك أن الأثر إنما ينسب إليه ـ تعالى ـ بما هو مطلق ، وإلى العبد بما هو محدود ومقيد ، وإلاّ فجلّ جنابه ـ تعالى ـ من أن تستند إليه الأفعال التي لا تقوم إلا بالجسم والجسماني ، ولو كان من الأعمال الحسنة ؛ فضلا عن الأعمال السيئة.
نعم ربما تغلب الجهة التي تلي الربّ ، وتندكّ فيها الجهة الاخرى كما في قوله تعالى : ( وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى )(١) فحينئذ ينفى الانتساب إلى المربوب ، وينسب إلى الربّ.
ومن ذلك يظهر عدم استناد الأفعال السيئة إليه تعالى من جهة اخرى. فتفطّن وافهم ، أو ذره في سنبله ، والله المسدّد.
١٥٣ ـ قوله [ قدس سره ] : ( ومعه كيف تصح المؤاخذة؟ ... الخ ) (٢).
كيف؟ وقد عرفت : أن الاستناد إلى الله ـ تعالى ـ آكد من الاستناد إلى العباد ، فإنه إليه ـ تعالى ـ بالوجوب ، وإليهم بالإمكان كما عرفت (٣) ، وإنما عطف النظر ـ دام ظلّه ـ عن التكليف إلى المؤاخذة ؛ لكفاية هذا المقدار من الاختيار في توجيه التكليف إلى الغير ، ويخرج بذلك عن اللغوية (٤) بخلاف المؤاخذة ممن
__________________
(١) سورة الانفال ٨ : ١٧.
(٢) الكفاية : ٦٨ / ٦.
(٣) وذلك في أواخر بحثه المعنون : بـ ( تنبيه وتنزيه ).
(٤) قولنا ( ويخرج بذلك عن اللّغويّة .. إلخ ).
فإنّ التكليف لجعل الداعي ، ومع صدور الفعل عن إرادة الباري ، لا معنى لجعل الداعي الموجب لانقداح الإرادة ، بخلاف ما إذا صدر عن إرادة العبد ، فإن جعل الداعي صحيح ، بخلاف المؤاخذة من مفيض الوجود على الفعل ، وإرادته ولو بالواسطة ، فإنه مناف لعدله.
اعلم أن الإشكال في العقوبة : تارة يرتبط بباب الجبر والتفويض ، وهو ما ذكرناه هنا من