الإرادة الواجبة بالذات ، فليس فعل العبد بإرادته حيث لا تكون إرادته بإرادته ، وإلا لتسلسلت الإرادات.
وفيه : أنّ الفعل الاختياري ما كان نفس الفعل بالإرادة (١) لا ما كان إرادته بالإرادة ، فإنّ القادر المختار من إذا شاء فعل ، لا من إذا شاء شاء ، وإلا لم يكن فعل اختياري في العالم حتى فعله ـ تعالى عما يقول الظالمون ـ إذ المفروض أن اختيارية فعله ـ تعالى ـ لصدوره عن العلم والإرادة ، ولو كانت إرادته ـ تعالى ـ بإرادته للزم أن لا يكون إرادته عين ذاته ـ تعالى ـ إذ لا بد من فرض إرادة اخرى حتى تصح إرادية الاولى ، فيلزم زيادة الثانية على الاولى المتحدة مع ذاته تعالى.
__________________
(١) قولنا : ( انّ الفعل الاختياري ما كان ... إلخ ).
توضيح المقام وتنقيح المرام يبتني على مقدّمة : هي أن الفاعل باعتبار ينقسم إلى ما منه الوجود ، وإلى ما به الوجود ، والمراد بالأول من يفيض عنه الوجود ، وهو بذاته مفيد الوجود ، وهو منحصر في واجب الوجود ـ تعالى شأنه ـ ، والمراد بالثاني من يباشر الفعل الذي يفاض عليه الوجود ، ويكون مجرى فيض الوجود ، فيمرّ فيض الوجود منه إلى غيره ، وهو منحصر في غيره ـ تعالى ـ لإباء صرافة وجوده عن الاتحاد مع الممكنات ، ليكون مباشر الحركات ومعدّا لجميع المستعدات.
وينقسم الفاعل باعتبار آخر إلى الفاعل بالطبع ، والى الفاعل بالقسر ، وإلى الفاعل بالاختيار.
والمراد بالأوّل ما يكون الفعل بإقتضاء طبيعته وذاته من دون شعور وإرادة كما في الإحراق من النار.
والمراد بالثاني : ما يكون الفاعل بالإضافة إلى الفعل كالموضوع لعرضه ، وبالحقيقة يكون فاعله غيره ، فإن من يحرك يد غيره يكون مباشر التحريك هو الفاعل ومن يتحرّك يده يكون محلاّ للحركة لا فاعلا لها ، إلاّ بنحو من المسامحة.
والمراد بالثالث : من يكون صدور الفعل منه منوطا بعلمه وقدرته وإرادته ، فتكون العلم والقدرة والإرادة مصححات فاعليته بالفعل.