__________________
ينفكّ عنها ـ وان تلك الصفات مرحجات ـ فهي بضميمة النفس الموجودة في جميع الاحوال علة ناقصة ، ولا يوجد المعلول إلاّ بعلّته التامّة.
وتوهّم الفرق بين الفعل الاختياري وغيره ـ من حيث كفاية وجود المرجّح في الأوّل دون الثاني ـ من الغرائب ، فإنه لا فرق بين ممكن وممكن في الحاجة إلى العلة ، ولا فرق بين معلول ومعلول في الحاجة الى العلّة التامّة ، فإنّ الإمكان مساوق للافتقار إلى العلة ، والمعلول إذا وجد له ما يكفي في وجود المعلول به كان علة تامة له ، واذا لم يكن كافيا في وجوده فوجود المعلول به خلف. فتدبّره ، فإنه حقيق به.
ورابعا ـ أن الفعل المسمّى بالاختيار إن كان ملاكا لاختيارية الأفعال ، وأنّ ترتّب الفعل على صفة الإرادة مانع عن استناد الفعل إلى الفاعل لكان الأمر في الواجب ـ تعالى ـ كذلك ، فإنّ الملاك عدم صدوره عن اختياره ، لا انتهاء الصفة إلى غيره ، مع أن هذا الفعل المسمّى بالاختيار يستحيل أن يكون عين ذات الواجب ، فإن الفعل يستحيل أن يكون عين فاعله ، فلا محالة يكون قائما بذاته قيام الفعل بفاعله صدورا ، فان كان قديما بقدمه كان حال هذا القائل حال الأشعري القائل بالصفات القديمة القائمة بذاته الزائدة عليها ، وإن كان حادثا كان محلّه الواجب فكان الواجب محلاّ للحوادث ، فيكون حاله حال الكرامية القائلين بحدوث الصفات ، ويستحيل حدوثه وعدم قيامه بمحلّ ، فإنّ سنخ الاختيار ليس كسنخ الأفعال الصادرة عن اختيار من الجواهر والأعراض ؛ حتى يكون موجودا قائما بنفسه ، أو قائما بموجود آخر ، بل الاختيار يقوم بالمختار ، لا بالفعل الاختياري في ظرف وجوده ، وهو واضح.
وأمّا ما ورد في باب المشيّة ـ من أنه خلق الله الاشياء بالمشيّة ، والمشيّة بنفسها ـ فالمراد من المشيّة هي المشيّة الفعلية التي هي عين الوجود الإطلاقي المنبسط على الماهيات ، والمراد من الأشياء هي الموجودات المحدودة. ومن البيّن أن الوجود المنبسط ـ الذي هو فعله الإطلاقي تعالى ـ ما به موجودية الموجودات الخاصّة ، وليس لما به الوجود ما به الوجود.
وبالجملة فهذه المشيّة الفعلية عين الإحداث والإيجاد كالعلم الفعلي في قبال العلم الذاتي. فافهم جيدا. ( منه عفي عنه ).