الحكمية التزام بالكلام النفسي ، وهو (قدس سره) وإن أصاب في فهم المراد من كلمات الأشاعرة ، وأنهم يجعلون النسبة كلاما نفسيا ، لكنه لم يصب في الالتزام بكونه كلاما نفسيا غير معقول ، بل كان يجب عليه كشف مغالطتهم ، وحل عقدتهم بما نتلوه عليك :

وهو أن المعنى ـ كما أشرنا إليه سابقا (١) ـ : تارة يقوم بالنفس بنفسه على حدّ قيام الكيفيات النفسانية بالنفس ، من العلم والإرادة وغيرهما. واخرى يقوم بالنفس بصورته المجردة قياما علميا. والنسبة المتصورة بين المحمول والموضوع ـ وهي كون هذا ذاك في الخارج ـ تقوم بالنفس لا بنفسها بل بصورتها ، فهي كالمعلومات الأخر من حيث إن قيامها قيام علمي لا كقيام العلم. والذي يجب على الأشعري إثباته قيام شيء بالنفس بنفسه على حد قيام العلم والارادة ، لا على حد قيام المعلوم والمراد ، فان هذا القيام لا يوجب ثبوت صفة اخرى بالنفس حتى ينفع في إثبات الكلام القائم بذاته ـ تعالى ـ وراء علمه وإرادته وسائر صفاته العليا.

نعم هنا أمر آخر له قيام بالنفس بنفسه ، وهو نحو من الوجود النوري القائم بالنفس قيام المعلول بعلته ، لا قيام العرض بموضوعه ، وقد أشرنا إليه سابقا (٢).

وهذا المعنى ـ وإن لم يبلغ إليه نظر الاشعري ـ إلا أنه مجد في تعقّل أمر غير العلم والارادة ، وارتباطه بالكلام أيضا ظاهر ـ كما عرفت سابقا (٣) ـ إلا أنه لا يجدي للأشعري ؛ لأنه يجعله مدلولا للكلام اللفظي ، وحقيقة الوجود ـ كما

__________________

(١) وذلك في التعليقة : ١٤٦ عند قوله : ( فحينئذ يقال : إن قيامه بالنفس ... ).

(٢) وذلك في التعليقة : ١٤٦ عند قوله : ( ونسبة النفس إليه بالتأثير والإيجاد ... ).

(٣) في نفس التعليقة والموضع المشار إليهما آنفا.

۴۲۶۱