الفصول (١) ؛ حيث إن المصدر وإن لم يكن بلفظه وهيئة مادة للمشتقّات ، إلاّ أنه بمعناه مبدأ لها ، فإنّ معروض أنحاء النسب نفس المعنى المصدري ، ومعنى أصالته ـ حينئذ ـ مبدئيته بحسب معناه للمشتقّات ، ونتيجة وضع المصدر لنفس المبدأ بلا نسبة وأصالة معناه ومبدئيته للمشتقات ـ بحيث كانت موادّها بإزاء المعنى المصدري ـ ما أفاده في الفصول.
لكن التحقيق : ما عرفت من اشتمال المصدر معنى على نسبة ناقصة يحكي عنها هيئة وضعا ، وإن كان ربّما يطلق ويراد منه نفس المبدأ ، ومعنى أصالته حينئذ تقدّم رتبته على الفعل لتقدّم كلّ ناقص على التامّ طبعا لزيادة الثاني على الأول ، كما أن وجه دعوى أصالة الفعل تقدّم الفعل على المصدر بلحاظ تقدّم التامّ على
__________________
السكاكي.
ولد في خوارزم سنة ( ٥٥٥ ه ). واشتغل بالحدادة حتى بلغ الثلاثين من عمره ، فعمل دواة مع قفلها بزنة قيراط وأهداها ملك زمانه ، فلم يعره اهتماما بقدر أحد العلماء الداخلين عليه ، فتأثّر لذلك ، وقرّر طلب العلم ، لكنه لم يفلح مع استاذه الشافعي الذي طلب منه أن يردّد قوله : قال الشيخ : جلد الكلب يطهر بالدباغة ، فأجاب هو : قال الكلب : جلد الشيخ يطهر بالدباغة ، فضحك عليه الطلاّب ، فهام بالصحراء بعد أن يئس من التعلّم ، لكنه اعتبر عند ما رأى قليلا من الماء يتساقط على صخرة صماء فثقبها ، فقال في نفسه : لو تعلّمت بصبر وقليلا قليلا لفهمت ، فليس قلبي أصمّ من هذه الصخرة ، فرجع ودرس بجدّ وصبر حتى أصبح من علماء زمانه المشار إليهم بالبنان ، وألّف كتابه ( مفتاح العلوم ) الذي ذكر فيه اثني عشر علما بدقة وإيجاز.
توفي سنة ( ٦٢٦ ه ) بخوارزم.
( روضات الجنات : ٨ / ٢٢٠ ) بتصرف.
(١) الفصول الغروية : ٧١ حيث جاء فيه : ( .. ولأنه لا كلام في أنّ المادّة ـ وهي المصدر المجرّد عن اللام والتنوين ـ لا تدلّ إلاّ على الماهيّة من حيث هي ؛ على ما حكى السكّاكي وفاقهم عليه ، وخصّ نزاعهم ـ في أنّ اسم الجنس هل يدلّ على الجنس من حيث هو ، أو على الفرد المنتشر؟ ـ بغير المصدر ).