استعدادها الدخول في دار الوجود ، وكان الواهب الجواد فيّاضا بذاته غنيا بنفسه ، فيجب عليه إفاضة الوجود ، ويمتنع عليه الإمساك عن الجود ، وحيث إنّ الجود بمقدار قبول القابل ـ وعلى طبق حال السائل ـ كانت الإفاضة عدلا وصوابا ؛ إذ الشيء لا ينافي مقتضاه ، فإفاضة الوجود على الماهيات ـ كائنة ما كانت ـ إفاضة على ما يلائم الشيء ؛ حيث إن الشيء يلائم ذاته وذاتياته ولوازمه ، وقياسه بإجابة السفيه قياس باطل ؛ إذ السفيه ربما يطلب ما ينافي ذاته ، فإجابته خلاف الحكمة ، بخلاف إجابة الماهيات ، فإنه لا اقتضاء وراء الذات والذاتيات.

فالاعتراض : إن كان بالإضافة إلى مرتبة الذات والماهية فهو باطل بأنّ الشقيّ شقيّ في حدّ ذاته ، والسعيد سعيد كذلك ـ كما عرفت ـ والذاتي لا يعلّل الا بنفس ذاته ، وإن كان بالإضافة إلى الوجود فهو فاسد ؛ لما عرفت من أن إفاضة الوجود على وفق قبول القوابل عدل وصواب.

وهذا معنى ما ورد من « أنّ الناس معادن كمعادن الذهب والفضة » (١) ، وهو معنى قوله ـ عليه السلام ـ : « السعيد سعيد في بطن أمّه والشقيّ شقيّ في بطن أمّه » (٢).

والاختصاص ببطن الامّ : إمّا لكونه أوّل النشآت الوجودية عند الجمهور ، أو المراد ما هو باطن الشيء وكمون ذاته ومكنون ماهيته ، وإطلاق الامّ على الماهية بلحاظ جهة قبولها ، كما اطلق الأب على الباري ـ تعالى ـ بلحاظ جهة

__________________

(١) الروضة من الكافي ٨ : ١٧٧ ، الحديث : ١٩٧. ومسند أحمد ٢ : ٥٣٩ ، وفيه تقديم الفضة على الذهب ، وقريب منه في المصدر نفسه في الصفحات التالية : ٢٥٧ ، ٢٦٠ ، ٣٩١ ، ٤٣٨ ، ٤٩٨ ، ٥٢٥ ، والبخاري ٤ : ٢١٧.

(٢) توحيد الصدوق : ٣٥٦ ، الباب : ٥٨ ، حديث : ٣ بتقديم الشقيّ على السعيد ، وانظر البحار ٥ : ١٥٦ ـ ١٦١ باب ٦ تجد أحاديث كثيرة في هذا المعنى مع شرحها.

۴۲۶۱