بل ذكر بعضها في عداد معانيه غفلة واضحة ، كما في جعل الأمر في قوله تعالى (وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) تارة بمعنى الفعل ، واخرى بمعنى الشأن ؛ حيث إنّ الآية هكذا : (فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ * وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ)(١) ، ولا شك أن الأمر هنا بمعناه المعروف.
وكما في جعل الأمر في قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا)(٢) بمعنى الفعل العجيب ، فإنه لا موهم لمصداقيّته للفعل العجيب ـ بما هو عجيب ـ فضلا عن الوضع لمفهومه أو لمصداقه ، بل الأمر هنا بمعناه المعروف ، حيث إن العذاب لمكان تعلق الارادة التكوينية به ، وكونه قضاء حتميا يطلق عليه الأمر ، كما أنه في جميع موارد انزال العذاب عبر عنه به ، لهذه النكتة ، ولو مثل لمصداق العجيب بقوله تعال : (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) (٣) لكان أولى ، مع أنّ الأمر هنا أيضا بمعناه المعروف لمكان تعلّق الأمر التكويني به ، فهو مصدر بمعنى المفعول.
١٣٩ ـ قوله [ قدّس سره ] : ( ولا يبعد دعوى كونه حقيقة في الطلب في الجملة والشيء ... الخ ) (٤).
كونه حقيقة في هذين الأمرين ، وإن كان مختار جملة من المحقّقين ، على ما حكي ، إلا أنّ استعمال الأمر في الشيء مطلقا لا يخلو عن شيء ؛ إذ الشيء يطلق على الأعيان والأفعال ، مع أن الأمر لا يحسن إطلاقه على العين الخارجية ، فلا يقال : رأيت أمرا عجيبا إذا رأى فرسا عجيبا ، ولكن يحسن ذلك إذا رأى فعلا عجيبا من الأفعال ، ولم أقف على مورد يتعين فيه إرادة الشيء ، حتى مثل قوله
__________________
(١) هود ١١ : ٩٦ ، ٩٧.
(٢) هود ١١ : ٥٨.
(٣) هود ١١ : ٧٢ ، ٧٣.
(٤) الكفاية : ٦٢ / ٤.