الأبيض الشيء كان معنى قولنا : ( الثوب الأبيض ) ( الثوب الشيء الأبيض ) ، ولو دخل فيه الثوب بخصوصه كان معناه ( الثوب الثوب الأبيض ) ، وكلاهما معلوما (١) الانتفاء ، بل معنى المشتقّ هو المعنى الناعت وحده ، ثم العقل يحكم ـ بديهة أو بالبرهان ـ أن بعضا من تلك المعاني لا يوجد إلا بأن يكون ناعتا لحقيقة اخرى مقارنا لها شائعا فيها ـ لا كجزئها ـ وتسميتها بالعرض ، وبعضها ليس كذلك ، ولو لا تلك الخصوصية لم يلزم أن يكون هناك شيء هو أبيض أو أسود ، ـ إلى أن قال ـ : ومن هنا يظهر أن الأعراض هي المشتقات وما في حكمها ، كما سبق التلويح إليه ، ولذا أمكن النزاع بعد تصور بعضها بالكنه في عرضيته ، كما وقع لهم في الألوان ، فإنّ كنهها عندهم بديهي ، ومع ذلك نازع العقلاء في عرضيتها ، ولو كان حقيقتها مبادي الاشتقاق لم يتصور النزاع ، فإن العاقل لا يشكّ في أن التكمّم (٢) والتلون ـ بالمعنى الذي أخذوه ـ ليسا جوهرين قائمين بذاتهما ... الخ ).
وهذا الكلام صريح في أن مبادئ الاشتقاق عندهم هي المعاني المصدرية ، وحيث لا واسطة بين المشتقّ ومبدئه ، فلذا قالوا : الأعراض هي المشتقّات ، فهو قائل باتحاد المشتقّات مع مبادئها الحقيقية ، دون مباديها المشهورية ـ أعني المعاني المصدرية ـ بمعنى اتحاد المشتقّات مع العلم بمعنى الصورة ـ مثلا ـ والضرب
__________________
بطرفها أمر ، والمقدار المدلول عليه بالكلام أمر آخر ، كما في الأفعال ، فإنه لا شكّ في اشتمالها على النسبة ، مع أنّ مادّتها لا تدلّ إلاّ على المبدأ ، وهيئتها لا تدلّ إلاّ على النسبة. ( منه عفي عنه ).
(١) في الأصل : معلوم ..
(٢) لم يرد هذا المصدر في اللغة بهذا المعنى ـ أي بمعنى التلبّس بعرض الكمّ ـ فلم يشتقّ مصدر في اللغة من ( كم ) الاستفهامية ، أو من الكم بمعنى المقدار ، بل جاء ( التكمّم ) في اللغة بمعنى الإغماء والتغطية ، وليسا بمقصودين هنا ، ولكن علماء المعقول ـ وكذا غيرهم ـ أجازوا لأنفسهم مثل هذا التصرّف والتوسّع في اللغة ، ونظيره كثير في العلوم.