( الإنسان نوع ) يكون الاتحاد في الذهن بتا ؛ حيث إن النوعية من الاعتبارات الذهنية ، وفي قولنا : ( كذا معدوم ) يكون الاتحاد في الخارج تقديرا إن كان النظر إلى الخارج ، وإلا ففي الذهن تقديرا. وإنما كان هذا القسم بالتقدير دون البت ؛ لأن المعدوم المطلق ـ من جميع الجهات ، وبتمام أنحاء الوجود ـ لا يعقل أن يحكم به وعليه ؛ إذ لا بدّ في وقوعه طرفا للنسبة من تمثّله في الذهن ، وحضوره عند العقل ليحكم به وعليه.
وحيث إن الحكم به وعليه ، ليس باعتبار المفهوم والعنوان ، لكونه موجودا بالحمل الشائع ، لا معدوما ، والمفروض عدم وجود المطابق له في الخارج ، للزوم الخلف ، فلا محالة لا مناص من أن يقال ـ كما عن بعض الأكابر (١) ، ونعم ما قال ـ : إن العقل ـ بتعمّله واقتداره ـ يقدّر ويفرض لعنوان المعدوم والممتنع وأشباههما فردا ما بحيث تكون ذاته محض الهلاك وعين البطلان ، فيحكم عليه وبه بمرآتية العنوان ، فظهر أن المنافاة إنما هي بين الوجود البتي والعدم والامتناع ، لا بينهما والتقديري الذي لا بد منه ، فالتلبس في كل مورد بحسبه.
ومما ذكرنا يظهر : أن النزاع المعروف ـ بين المعلم الثاني (٢) والشيخ الرئيس
__________________
(١) صدر المحققين في الأسفار ١ : ٣٤٧ والذي في المتن هو مضمون عبارة الأسفار.
(٢) المعلم الثاني هو :
أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ الحكيم المشهور المعروف بالفارابي ، وبالمعلم الثاني بعد افلاطون الذي يعتبر المعلم الأوّل.
ولد في فاراب من مدن الترك في أطراف بلاد فارس ، قصد بغداد ، وأقام بها برهة ، ثم ارتحل الى مدينة حران ، ثم رجع إلى بغداد ، ثم سافر إلى دمشق ثم إلى مصر ، ثم عاد الى دمشق ، وأقام بها وسلطانها يومئذ سيف الدولة بن حمدان. له تصانيف في الفلسفة والمنطق والموسيقى.
كان ينفرد بنفسه عند مجتمع الماء ومشتبك الرياض ، وكان زاهدا في الدنيا قانعا فيها.
توفي عام ( ٣٣٩ ه ) بدمشق وقد ناهز ثمانين سنة ، وصلّى عليه سيف الدولة ، ودفن بظاهر دمشق.
( وفيات الأعيان : ٥ / ١٥٣ رقم ٧٠٦ ) بتصرف.