الثالث : نيّة القربة كما في غيره من العبادات (١) ، والتعيين إذا تعدّد ولو إجمالاً (٢) ،


(١) للإجماع والتسالم على عباديّته ، بل هي من مرتكزات المتشرّعة ، ويدلّنا عليه قبل ذلك قوله تعالى ﴿أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١) ، فإن أمر الله تعالى نبيّه بتطهير البيت لا يكون إلّا لأن يتعبّد فيه من طوافٍ واعتكاف وركوع وسجود ، لا لمجرّد اللبث والمكث ولو لغير العبادة من سكنى أو بيتوتة أو بيع ونحو ذلك ، فالآية بنفسها ظاهرة الدلالة بمقتضى مناسبة الحكم والموضوع في العباديّة واعتبار قصد التقرّب من غير حاجة إلى التشبّث بالإجماع والارتكاز وإن كانا حاصلين أيضاً كما عرفت.

(٢) تقدّم في مطاوي بعض الأبحاث السابقة أنّ اشتغال الذمّة بعملين أو أكثر مشاركين في الصورة ومسانخين في الظاهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام :

فتارةً : لا يترتّب أثر على شي‌ء منهما بخصوصه ولم يكن بينهما أيّ امتياز حتّى واقعاً ما عدا الاثنينيّة. وهذا كمن فات عنه يومان أو أيّام من شهر رمضان ، أو صلاتان من صلاة الآيات ، ونظيره في الماليّات من كان مديناً لزيد بدرهم ، ثمّ صار مديناً له بدرهم آخر ، فإنّ الذمّة في هذه الفروض مشغولة بمجرّد صوم يومين أو قضاء صلاتين ، أو أداء درهمين من غير خصوصيّة للسابق ولا للّاحق ، إذ لا يلزمه قصد خصوصيّة ما فاته أو استدانه أوّلاً أو ثانياً بالضرورة ، ففي مثل ذلك لا يجب عليه قصد التعيين لدى التصدّي للقضاء أو الوفاء ، فإنّه فرع التعيّن ، والمفروض أنّه لا تعيّن في البين حتّى واقعاً ، ولا امتياز

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٢٥.

۵۱۹