أن الأحكام الوضعية الأعم مما في موارد المعاملات بالمعنى الأعم والمعاملات بالمعنى الأخص إنما تتعلق بحسب الغالب على الأجسام والموضوعات الخارجية كما مرّ ، ومن الظاهر أن الجسم الخارجي لا معنى لقيام المصلحة به حتى يكون الأحكام الوضعية تابعة للمصالح والمفاسد في متعلقاتها ، فلا مناص من أن تكون تابعة للمصالح في جعلها واعتبارها ، فإذا أدت الحجة إلى أن المعاطاة مملّكة أو أن الصيغة الفارسية كافية في العقود ، فقد وجدت المصلحة في جعل الملكية في المعاطاة أو الزوجية في العقد غير العربي وهكذا ، فإذا قامت الحجة الثانية على أن المعاطاة مفيدة للإباحة أو أن العربية معتبرة في الصيغة ، لم يستكشف بذلك أن الملكية في المعاطاة أو الزوجية في العقد الفارسي غير متطابقين للواقع ، وذلك لأن الأحكام الوضعية لا واقع لها سوى أنفسها والمفروض أنها تتحقق بقيام الحجة الأُولى ، فلا يستكشف بسببها أن جعل الملكية في المعاطاة مثلاً لم يكن على وفق المصلحة إذ لو لم تكن هناك مصلحة تدعو إلى جعلها واعتبارها لم يمكن للشارع أن يعتبرها بوجه.

نعم ، يستكشف بالحجة الثانية أن المصلحة من لدن قيامها إنما هي في جعل الإباحة في المعاطاة لا في جعل الملكية ، أو أنها في جعل الزوجية في العقد العربي لا الفارسي ، فقيام الحجة الثانية على الخلاف إنما هو من باب التبدل في الموضوع وليس من باب انكشاف الخلاف في السابقة باللاّحقة ، ومع كون الثانية موجبة للتبدل في الموضوع لا مناص من الالتزام بالإجزاء في الأحكام الوضعية.

اللهُمَّ إلاّ أن نقول : إن الأحكام الوضعية منتزعة من الأحكام التكليفية وغير مجعولة في نفسها ، كما عليه شيخنا الأنصاري قدس‌سره فإن حال الوضعية حينئذٍ حال التكليفية فيتصوّر فيها انكشاف الخلاف كما كان يتصوّر في التكليفية ، إلاّ أنه مما لا يسعنا الالتزام به لما ذكرناه في محلّه.

وأمّا الأحكام التكليفية ، فهي وإن كانت تابعة للمصالح والمفاسد في متعلقاتها ويتصوّر فيها كشف الخلاف ، إلاّ أن الحجة الثانية إنما يتّصف بالحجية بعد انسلاخ الحجية عن السابقة بموت المجتهد أو بغيره من الأسباب ، فالحجة الثانية لم تكن بحجة في ظرف الحجة السابقة ، وإنما حجيتها تحدث بعد سلب الحجية عن سابقتها وإذا كان‌

۳۷۹