في المسائل الّتي لم يعمل بها المقلّد أو لم يتعلم حكمها فلوضوح أن الحي إنما يرى وجوب البقاء على تقليد الميت فيما عمل به المقلّد أو تعلّم حكمه دون ما لم يعمل به أو لم يتعلّم حكمه ، فلا مانع في تلك المسائل من الالتزام بجواز البقاء استناداً إلى فتوى الميت الثابتة حجيتها بفتوى الحي كما عرفت.

وأما في المسائل الّتي عمل بها المقلّد أو تعلّم حكمها ، فلأن الحجية الواقعية بما أنها واقعية مما لا أثر له ، إذ الغرض من جعلها إنما هو تنجيز الواقع أو التعذير عنه ، وهذا لا يتحقق إلاّ مع الوصول ، وعليه فمنجز الواقع أو المعذّر عن مخالفته ليس إلاّ فتوى الحي الواصلة إلى المكلف على الفرض ، وبما أنه يرى وجوب البقاء على تقليد الميت وجب على المقلّد أن يرجع إلى فتاواه ، وحيث أنه أفتى بجواز العدول والبقاء فجاز للمكلف أن يعدل إلى الحي بفتوى الميت به ، وإذا عدل إلى الحي فإن كانت الحجية التخييرية هي المجعولة واقعاً فهو ، وأما لو كانت الحجية المجعولة هي التعيينية ، فهي غير واصلة إلى المكلف بل الواصل خلافها لقيام فتوى الميت بجواز البقاء. وفي ظرف عدم وصول الحجية التعيينية لا مانع من جعل الحجية التخييرية بأن تكون الحجة هو ما يختاره المكلف من الفتويين ، لما تقدم من أن الحجية التخييرية غير معقولة إلاّ أن يرجع إلى جعل الحجية على ما يختاره المكلف من الأمرين أو الأُمور.

فتوى الحي بجواز البقاء والميت بوجوبه‌

الصورة الرابعة : وهي ما إذا بنى الحي على جواز البقاء وأفتى الميت بوجوبه ، فهل يجوز للمقلّد أن يرجع إلى فتوى الميت في مسألة البقاء حتى يجب عليه البقاء على تقليد الميت في بقية المسائل الفرعية ، أو أن المقلّد لو رجع إلى تقليد الميت لم يجب عليه البقاء في بقية المسائل؟

الصحيح أن يقال : إن فتوى الحي بجواز البقاء على تقليد الميت وجواز العدول عنه إن كان بمعنى أن فتوى الميت حجة تخييرية وعدلها فتوى الحي ، والمكلف مخيّر بينهما بالمعنى المتقدم في التكلم على الحجية التخييرية بين المجتهدين المتساويين بأن يكون الاختيار في الأخذ بهذا أو بذاك بيد المكلف ، ويكون كل منهما حجة تعيينية بعد‌

۳۷۹