على جواز التقليد من الآيات والروايات ، أُخذت في موضوعها عنوان العالم والفقيه وغيرهما من العناوين غير المنطبقة على صاحب الملكة ، إذ لا يصدق عليه العالم أو الفقيه لعدم كونه كذلك بالفعل. نعم ، له قدرة المعرفة والعلم بالأحكام. وكذلك الحال في السيرة العقلائية لأنها إنما جرت على رجوع الجاهل إلى العالم ، وقد عرفت أن صاحب الملكة ليس بعالم فعلاً فرجوع الجاهل إليه من رجوع الجاهل إلى مثله ، هذا إذا لم يتصد للاستنباط بوجه.

وأمّا لو استنبط من الأحكام شيئاً طفيفاً فمقتضى السيرة العقلائية جواز الرجوع إليه فيما استنبطه من أدلته ، فإن الرجوع إليه من رجوع الجاهل إلى العالم حيث إن استنباطه بقيّة الأحكام وعدمه أجنبيان عمّا استنبطه بالفعل. نعم ، قد يقال إن الأدلة اللفظية رادعة عن السيرة وأنها تقتضي عدم جواز الرجوع إليه ، إذ لا يصدق عليه عنوان الفقيه أو العالم بالأحكام. اللهُمَّ إلاّ أن يستنبط جملة معتداً بها بحيث يصح أن يقال إنه عالم أو فقيه. ولكنه يأتي أن الأدلة اللفظية لا مفهوم لها وأنها غير رادعة عن السيرة فانتظره.

وأمّا الجهة الثالثة : فالصحيح عدم نفوذ قضائه وتصرفاته في أموال القصّر وعدم جواز تصدّيه لما هو من مناصب الفقيه ، وذلك لأن الأصل عدمه لأنه يقتضي أن لا يكون قول أحد أو فعله نافذاً في حق الآخرين إلاّ فيما قام عليه الدليل ، وهو إنما دلّ على نفوذ قضاء العالم أو الفقيه أو العارف بالأحكام أو غيرها من العناوين الواردة في الأخبار ، ولا يصدق شي‌ء من ذلك على صاحب الملكة كما يأتي تفصيل هذه الجهة وسابقتها عند التعرض لأحكام التقليد والقضاء إن شاء الله ، هذا كلّه في إحدى مرحلتي البحث في المقام.

٢ ـ التجزِّي في الاجتهاد‌

أعني من استنبط بعض الأحكام بالفعل ولا يتمكن من استنباط بعضها الآخر. والكلام فيه أيضاً من جهات :

الجهة الاولى : في إمكان التجزي واستحالته‌.

۳۷۹