جواز رجوعه إلى الميت وعدمه ، ثمّ إن الحي الأعلم إذا بنى على جواز البقاء أو على وجوبه ، جاز للمقلد أو وجب عليه العمل بآراء الميت فيما قد تعلّمه منه حال الحياة وكان متذكراً له بعد موته ، سواء أكان ذلك حكماً تكليفياً من وجوب شي‌ء أو حرمته ونحوهما أم حكماً وضعياً كالصحة والحجية وأمثالهما من الأحكام الوضعية ، مثلاً إذا كان الميت بانياً على حجية الخبر الواحد الثقة جاز للمقلد أيضاً أن يبني على حجيته تبعاً لمن قلّده ، وهذا لعلّه مما لا كلام فيه.

وإنما الكلام في أن الميت لو كان بانياً على جواز البقاء ، وأفتى الحي الأعلم أيضاً بجوازه فهل يجوز للمقلّد أن يبقى على تقليد الميت في مسألة جواز البقاء أو أن لها خصوصية بها تمتاز عن بقية المسائل والأحكام الوضعية ، ولا يجوز فيها البقاء على تقليد الميت؟ وتفصيل الكلام في هذه المسألة : أن الحي الأعلم إما أن يفتي بجواز البقاء على تقليد الميت أو بوجوبه أو بحرمته ، كما أن الميت إما أنه كان يفتي بجواز البقاء أو بوجوبه أو بحرمته فهذه تسع صور :

ولا ينبغي التوقف في أن الحي الأعلم بعد ما بنى على عدم جواز البقاء على تقليد الميت ، لم يترتب أي أثر على فتوى الميت سواء أفتى بجواز البقاء أو بوجوبه أو بحرمته ، لسقوط فتواه عن الحجية بموته ، ومعه يجب على المقلّد أن يتبع فتوى الحي في تلك المسألة ولا مانع من أن يرجع إلى الميت إذا أفتى الحي بجوازه ، وليس له أن يعتمد على فتوى الميت بنفس فتواه بجواز البقاء لأنه دور ظاهر.

وبذلك اتضح حكم الصور الثلاث أعني ما إذا كان الميت بانياً على جواز البقاء أو وجوبه أو حرمته ، وفرضنا أن الحي بنى على حرمته ، وعلى الجملة أن مع حكم الحي بحرمة البقاء لا يبقى مجال لملاحظة أن الميت يفتي بأي شي‌ء ، وهذه المسألة نظير ما يأتي من أن غير الأعلم إذا أفتى بحرمة العدول حتى إلى الأعلم وبنى الأعلم على الجواز ، لم يصغ إلى فتوى غير الأعلم بوجه فحكم تلك الصور ظاهر لا إشكال فيه.

إذن يقع الكلام في الصور الباقية وهي ست ، ثنتان منها أعني ما إذا أفتى الميت بحرمة البقاء وبنى الحي على جوازه أو وجوبه ، يأتي عليهما الكلام بعد الفراغ عن التكلم في الصور الأربع الآتية إن شاء الله ، فالكلام متمحض فيما‌ إذا أفتى كل من الميت والحي بجواز البقاء أو بوجوبه وهي أربع صور :

۳۷۹