إلاّ إذا كان أحدهما أورع فيختار الأورع (١).


بوجوب العمل على طبق إحدى الفتويين مخيراً ، وهو من التخيير العقلي في مقام الامتثال لتنزل العقل إلى الامتثال الاحتمالي عند العجز عن الامتثال الجزمي.

الأورعية ليست مرجحة

(١) قد أسلفنا أن المجتهدين إذا كان أحدهما أعلم من الآخر ولم يعلم المخالفة بينهما في الفتوى جاز الرجوع إلى كل منهما ، لأنه لا مانع من شمول أدلة الحجية لهما حينئذٍ وكذا إذا علمنا بموافقتهما في الفتوى إلاّ أن تعيين المجتهد المقلّد عند العلم بتوافقهما لا يترتب عليه أي أثر ، لعدم دلالة الدليل على لزوم الاستناد إلى أحدهما المعيّن وقتئذٍ.

ولا شبهة في أن الأورعية ليست مرجحة في هاتين الصورتين سواء أُريد منها الأورعية في مقام العمل بأن يكون أحدهما مجتنباً عن المشتبهات دون الآخر ، أم أُريد بها الأورعية في الاستنباط إما بمعنى أن فحص أحدهما عن الدليل في استنباطاته أكثر من المقدار المعتبر في الفحص عنه ، وإما بمعنى عدم إفتاء أحدهما في المسائل الخلافية واحتياطه فيها دون الآخر. وذلك لأنه بعد حجية كلتا الفتويين وشمول الأدلة لفتوى الأورع وغير الأورع لاشتمالهما على شرائط الحجية ، لا يفرق بينهما بوجه وذلك لأن الدليل على حجية الفتوى إذا كان قيام السيرة على رجوع الجاهل إلى العالم ، فمن المعلوم أن العقلاء لا يقدّمون أحداً من أهل الخبرة على الآخر بمجرد كونه أورع لاشتمال كل منهما على ما هو الملاك المعتبر في رجوع الجاهل إلى العالم عندهم ، وهذه السيرة لم يردع عنها في الشريعة المقدسة. وإن كان الدليل هو الأدلة اللفظية من الآيات والروايات ، فلا كلام في أنها مطلقة ولا موجب لتقييدها بالأورعية أبداً. إذن لا أثر للأورعية في الصورتين.

وأما ما ربما يتوهّم من أن مقبولة عمر بن حنظلة دلّت على لزوم الترجيح بالأورعية لقوله عليه‌السلام : « الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ... » فمندفع :

۳۷۹