الإنشاء يعتبر فيه الجزم به ولا يتحقق هذا بالاحتياط لأنه لا يدرى حين قوله : طلقتك مثلاً أن ما أراده من الطلاق هل يحصل به أو لا يحصل ، فلا يمكن أن يكون جازماً بإنشاء الطلاق بالاحتياط.

ويندفع بأن الإنشاء على ما حققناه في محلّه (١) عبارة عن إبراز الاعتبار النفساني بمبرز ، ولا شبهة في أن المتكلم بقوله : طلقتك قد قصد إبراز ما اعتبره في نفسه من بينونة زوجته وإطلاقها من جهته ، فهو جازم بالإنشاء حينئذٍ ولا تردد له في نيته وإنما يشك في أمر آخر خارج عن إنشائه وهو إمضاء الشارع وحكمه بصحة طلاقه ومن البديهي أنه أمر آخر غير راجع إلى إنشائه الطلاق.

نعم ، لو كان متردداً في إنشائه كما إذا قال : بعتك هذا المال إن كان اليوم جمعة ، لقلنا ببطلانه وإن تحقق شرطه بأن كان اليوم جمعة واقعاً ، وذلك لأن الشك في أن اليوم جمعة يسبّب الشك في أنه هل باع ما له أم لم يبع ، ومع عدم علمه ببيعه لا معنى لأن يكون جازماً بما قصده في نفسه من البيع والتمليك.

فالمتلخص : أن الاحتياط في كل من المعاملات بالمعنى الأعم والمعاملات بالمعنى الأخص مما لا تأمل في جوازه وحسنه‌ ، وأمّا العبادات أعني الأُمور المعتبر فيها قصد القربة والامتثال فيقع الكلام فيها في مقامين :

أحدهما : في جواز الاحتياط غير المستلزم للتكرار.

وثانيهما : في جواز الاحتياط المستلزم للتكرار.

أمّا المقام الأوّل : فالصحيح أن العبادات كالمعاملات يجوز فيها الاحتياط ولو مع التمكن من الامتثال التفصيلي وتحصيل العلم بالمأمور به ، كما إذا شك في وجوب الدعاء عند رؤية الهلال أو في وجوب السورة في الصلاة ، فإنه يجوز أن يحتاط بالإتيان بما يحتمل وجوبه ، إذ الامتثال الإجمالي كالتفصيلي على ما يأتي تحقيقه إن شاء الله ، هذا.

وقد يقال بعدم جواز الاحتياط مع التمكن من الامتثال التفصيلي في العبادات ، نظراً إلى احتمال وجوب قصد الوجه والتمييز ، ولا يمكن إتيان العبادة بقصد الوجه متميزة‌

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ١ : ٨٩.

۳۷۹