الوجه الرابع : أن الأئمة عليهم‌السلام قد أرجعوا جماعة من العوام إلى أشخاص معينين من أصحابهم‌ كيونس بن عبد الرحمن ، ومحمد بن مسلم وغيرهما مع أنهم عليهم‌السلام موجودون بين الناس ، فإذا كانت فتاوى هؤلاء حجة معتبرة مع وجود نفس الامام عليه‌السلام كانت فتاواهم حجة عند وجود الأعلم بطريق أولى ، فإن الأعلم لا يزيد عن نفس الإمام عليه‌السلام.

والجواب عنه : أن الاستدلال بذلك إنما يتم فيما إذا قلنا بوجوب تقليد الأعلم مطلقاً ، وأما لو خصصنا وجوبه بصورة العلم بالمخالفة بين الأعلم وغيره كما هو الصحيح على ما يأتي بيانه فلا وقع لهذا الاستدلال بوجه ، إذ الإمام عليه‌السلام إنما أرجع إليهم السائل لعدم العلم بمخالفتهم معه عليه‌السلام فيما يفتون به ، ولا يحتمل أن يرجعه إليهم مع العلم بمخالفتهم مع الإمام عليه‌السلام فالاستدلال بالأولوية ساقط.

هذا تمام الكلام في الوجوه المستدل بها على حجية فتوى غير الأعلم وقد عرفت ضعفها ، ولا بدّ بعد ذلك من التكلم فيما استدل به على وجوب تقليد الأعلم ، فإن تمّ فهو وإلاّ فلا مناص من المراجعة إلى ما يقتضيه الأصل العملي في المسألة.

أدلة وجوب تقليد الأعلم‌

وقد استدل على وجوب تقليد الأعلم بوجوه :

الأوّل : أن مشروعية التقليد في الأحكام الشرعية إنما أثبتناها بالكتاب والسنة أو بدليل الانسداد أو السيرة‌ كما مرّ ، وقد أشرنا أن المطلقات الواردة في الكتاب والأخبار غير شاملة للمتعارضين ، فإذا سقطت فتوى غير الأعلم عن الحجية بالمعارضة يتعيّن الرجوع إلى الأعلم وذلك للعلم بعدم وجوب الاحتياط. وأما دليل الانسداد فلا يمكن أن يستنتج منه جواز تقليد غير الأعلم فإن النتيجة ليست كلّية ، وإنما يستنتج منه حجية فتوى عالم ما ، فإن العقل بعد المقدمات قد استقل أن الشارع نصب طريقاً للعامّي لا محالة ، وليس ذلك هو الاحتياط لأنه غير ميسور في حقه ، ولا أنه الظن لأنه لا ظن للمقلد أو لا أثر له ، فيتعيّن أن يكون الطريق فتوى عالم ما ، والقدر المتيقن‌

۳۷۹