التقليد ويلزم أن يكون تقليده سابقاً على عمله (١).

ويرد عليه : أن التقليد كما مرّ لون وعنوان للعمل ، فهو أمر مقارن معه ولا يعتبر فيه السبق زماناً ، فإذا عمل المكلّف عملاً مستنداً إلى فتوى الغير ، كان ذلك العمل مقروناً بالتقليد لا محالة وهو كاف في صحته ، ولا دليل على اعتبار سبق التقليد على العمل.

وقد يورد على تفسير التقليد بما ذكرناه ، بأن ذلك مستلزم للدور فإن مشروعية العبادة وصحتها من المقلد تتوقف على تقليده ، إذ لو لم يقلّد لم يتمكن من الإتيان بها بما أنها مأمور بها حتى تقع عبادة ، فلو كان تقليده متوقفاً على إتيانه بالعبادة لعدم تحقق التقليد إلاّ بالعمل ، لدار.

ويندفع بأن المتوقف عليه ، غير المتوقف عليه ، وذلك لأن مشروعية أي عمل عبادي أو غيره لا يمكن أن تكون ثابتة بالتقليد ، لعدم كونه مشرعاً في الدين. بل إنما تتوقف المشروعية على الدليل ولو كان هو فتوى مقلده. نعم ، إذا أتى المكلف بالعمل بعد العلم بمشروعيته مستنداً فيه إلى فتوى المجتهد ، انطبق عليه التقليد لا محالة. فالتقليد وإن كان متوقفاً على العمل إلاّ أنه لا يتوقف على التقليد بوجه ، فلا توقف في البين ، وعلى الجملة أن التقليد إنما يتحقق بالعمل على قول الغير ولا توقف له على الالتزام.

معنى التقليد عند اختلاف الفتاوى‌

وقد يقال : إنه إذا تعدد المجتهدون واختلفوا في الفتوى ، توقف التقليد على الالتزام بالعمل على إحدى الفتويين أو الفتاوى ، أو أن التقليد حينئذٍ ينتزع عن نفس الالتزام والدليل على وجوبه حكم العقل بلزوم تحصيل الحجة على امتثال الأحكام الشرعية.

بل عن بعضهم أن الخلاف في أن التقليد هو العمل أو الالتزام إنما هو فيما إذا اتحد المجتهد أو تعددوا واتفقوا في الفتوى ، وأما مع التعدد والتعارض بين الفتويين أو‌

__________________

(١) كفاية الأُصول : ٤٧٢.

۳۷۹