إذن لا دليل على مشروعية القضاء لمن لا أهلية له ، ومقتضى الأصل عدم نفوذ حكم شخص على شخص آخر ، كما أن مقتضى الروايات المتقدمة حرمة صدور القضاء ممن لا أهلية له ، وهو أصل ثانوي وإن كان الأصل الأولي يقتضي جوازه وإباحته ، فعلى هذا الأصل الثانوي يكون القضاء والحكم بعنوان الأهلية من التشريع المحرّم لأنه عنوان للفعل الخارجي.

وهل يعتبر الاجتهاد في الأهلية للقضاء أو أن المستفاد من الأدلة الواردة في المقام ثبوت الاذن لمطلق العالم بالقضاء وإن كان علمه مستنداً إلى التقليد دون الاجتهاد؟

الأوّل هو المشهور بين الأصحاب قدس‌سرهم بل ادعى عليه الإجماع في كلام جماعة منهم الشهيد الثاني في مسالكه (١) وإلى الثاني ذهب صاحب الجواهر قدس‌سره مدعياً أن المستفاد من الكتاب والسنة صحة الحكم بالحق والعدل والقسط من كل مؤمن وإن لم يكن له مرتبة الاجتهاد ، واستدل عليه بجملة من الآيات والروايات :

أما الآيات فكقوله عزّ من قائل ﴿ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ (٢) وقوله ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ لِلّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا (٣) ومفهوم قوله ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤) ﴿ هُمُ الظّالِمُونَ (٥) ﴿ هُمُ الْكافِرُونَ (٦) إلى غير ذلك من الآيات الكريمة فإن إطلاقها يقتضي عدم الفرق بين المجتهد ومن لم يبلغ مرتبة الاجتهاد.

وأما الروايات : فمنها : قوله عليه‌السلام « القضاة أربعة ثلاثة في النار وواحد في الجنة ، رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار ، ورجل قضى بجور وهو لا يعلم فهو‌

__________________

(١) مسالك الافهام ٢ : ٢٨٣.

(٢) النساء ٤ : ٥٨.

(٣) المائدة ٥ : ٨.

(٤) المائدة ٥ : ٤٧.

(٥) المائدة ٥ : ٤٥.

(٦) المائدة ٥ : ٤٤.

۳۷۹