بقي شي‌ء :      

وهو أن المنسوب إلى شيخنا الأنصاري قدس‌سره في رسالته العملية الحكم بفسق من ترك تعلّم مسائل الشك والسهو ، وهذه الفتيا منه قدس‌سره يحتمل أن يستند إلى أحد أُمور :

الأوّل : أن يقال : إن الوجه في ذلك أن ترك تعلّم المسائل المذكورة مع العلم بالابتلاء أو احتماله ، من أظهر مصاديق التجري على المولى سبحانه لكشفه عن أنه غير معتنٍ بأحكام الله وتكاليفه ولا مبال بأوامره ونواهيه ، والتجري مضافاً إلى أنه موجب لاستحقاق العقاب عليه ، من المحرمات في الشريعة المقدسة ، ولا شبهة في أن ارتكاب المحرّم موجب للفسق والانحراف.

وفيه : أن هذا الوجه مما لا يلتزم به الشيخ قدس‌سره ولا ينبغي الالتزام به لعدم قيام الدليل على حرمة التجري وإن كان موجباً لاستحقاق العقاب عليه ، والفسق إنما يتحقق بارتكاب المعاصي والمحرمات ، وقد عرفت أنه مفقود في المقام.

والثاني : أن التجري وإن لم يكن محرّماً في نفسه إلاّ أنه يكشف عن عدم ملكة العدالة لا محالة ، لأنه مع وجودها لا يقدم المكلف على ما فيه احتمال المخالفة والمعصية ، فبالتجري يستكشف أن المتجري على نحو يقدم على معصية الله ومخالفته ولا رادع نفساني له عن ارتكابها ، وقد اعتبر هو قدس‌سره وجماعة كثيرين وجود الملكة النفسانية في العدالة كما مرّ وقالوا إن من لا ملكة له لا عدالة له ومن لم يكن بعادل فهو فاسق لا محالة.

وهذا الاحتمال يبعّده أمران :

أحدهما : ما قدّمناه (١) من أن العدالة ليست إلاّ الاستقامة العملية في جادّة الشرع وأنه لم يدلّنا دليل على اعتبار شي‌ء آخر في العدالة وراء الإتيان بالواجبات وترك المحرمات ليسمى بالملكة النفسانية.

وثانيهما : أن القول باعتبار الملكة لا يستلزم إنكار الواسطة بين الفسق والعدالة ولا‌

__________________

(١) راجع ص ٢١٥.

۳۷۹