وهذا التوهم لا يبتني على أساس صحيح فإن مسألتنا هذه غير مبتنية على ملاحظة معنى التقليد بوجه ، حيث إن البقاء على تقليد الميت بهذا العنوان لم يرد في آية أو رواية ليختلف بالاختلاف في معنى التقليد ، وإنما نلتزم بجوازه أو بعدمه من جهة الأدلة المتقدمة المثبتة لأحدهما. إذن لا بدّ من الرجوع إلى ما دلّ على جواز البقاء لنرى أنه هل يدلنا على شرطية العمل أو لا يدل.

فنقول : إن استندنا في الحكم بجواز البقاء على استصحاب الحجية فلا يشترط العمل في جواز البقاء ، لوضوح أن الاستصحاب لا يقتضي هذا الاشتراط حيث إن حجية فتوى المجتهد قبل موته غير مشروطة بالعمل ، لأنها تتصف بالفعلية بمجرّد تحقق موضوعها ، وهو المكلف بما له من الشروط من العقل والبلوغ وغيرهما ، سواء عمل بها المكلف أم لم يعمل ، ومع الشك في أن تلك الحجية مطلقة أو مقيدة بالحياة نستصحب حجيتها الفعلية بعد الممات.

وكذلك إذا كان المستند هو الإطلاقات أو السيرة العقلائية ، لأن مقتضى إطلاق الأدلة أن إنذار المنذر الحي أو قول أهل الذكر أو غيرهما من العناوين حجة على المكلف ، عمل به ما دام المنذر حياً أم لم يعمل به ، كما أن مقتضى السيرة أن الجاهل يجوز أن يرجع إلى العالم ويعمل على طبق قوله ونظره ، سواء سبق منه العمل بقوله في حياته أم لم يسبق. إذن التحقيق أن جواز البقاء على تقليد الميت أو وجوبه لا يشترط فيه العمل برأيه في حياته.

وثانيهما : أن البقاء على تقليد الميت هل يشترط في جوازه أو وجوبه أن يكون المقلّد ذاكراً لفتواه بعد موته‌ ، بحيث لو نسيها حينئذٍ بعد ما أخذها وتعلّمها لم يجب أو لم يجز له البقاء ، أو أن الذكر كالعمل غير معتبر في جواز البقاء أو وجوبه؟ الصحيح اعتبار الذكر في البقاء ، وذلك لأن بالنسيان ينعدم أخذه السابق ورجوعه إلى الميت قبل موته لأنه لا يترتّب معه أثر عليهما ، فإن المقلّد حينئذٍ إنما يعلم أن الميت أفتى في مسألة العصير مثلاً إما بنجاسته على تقدير غليانه أو بطهارته ، وهو كالعلم الإجمالي بأن الحكم الواقعي إمّا هو الحرمة أو الإباحة ليس بمورد للأثر بل يحتاج إلى رجوع جديد ، وجواز الرجوع إلى الميت حينئذٍ يحتاج إلى دليل لأنه تقليد ابتدائي من‌

۳۷۹