من حدوث المستصحب حينما يشك في بقائه وارتفاعه ، فلو أفتى المجتهد بنجاسة العصير العنبي بالغليان وشككنا فيها بعد موته للشك في حجية فتواه بعد الممات ، لم يكن لنا يقين وجداني لدى الشك من ثبوت النجاسة للعصير بالغليان حال حياة المجتهد ، وهذا أمر ظاهر لا يحتاج إلى البيان والاستدلال ، كما لا يقين تعبدي بنجاسته للشك في حجية فتوى الميت بعد موته ، وحيث إنه شك سار لاحتمال انقطاع حجية فتواه وطريقيتها بالممات ، فلا طريق لنا بالفعل إلى استكشاف نجاسة العصير بالغليان حتى نستصحبها إذا شككنا في بقائها وارتفاعها.

والمتلخص : أن استصحاب الحجية على مسلك المشهور مما لا شبهة فيه. نعم على ما سلكناه من عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية لا يمكننا التمسك بالاستصحاب في المقام لأن الشبهة حكمية ، إذ الشك في أن الشارع هل جعل الحجية الفعلية مطلقة أو جعلها مقيّدة بالحياة ، فيكون استصحاب بقاء الحجية الفعلية معارضاً باستصحاب عدم جعل الحجية لفتوى الميت زائداً على القدر المتيقن وهو حال الحياة. إذن لا مجال للاستصحاب ولا بدّ من التماس دليل آخر على جواز البقاء.

الثاني : المطلقات‌ ، لأن آية النفر تقتضي وجوب العمل على طبق إنذار المنذر إذا أنذر وهو حي ، ولم تدل على اختصاصه بما إذا كان المنذر باقياً على الحياة حال العمل بفتواه وإنذاره. وعلى الجملة أنها تدلنا بإطلاقها على أن إنذار الفقيه حجة مطلقاً سواء كان حياً عند العمل به أم لم يكن ، وكذلك آية السؤال والأخبار الآمرة بالأخذ من محمد بن مسلم أو زكريا بن آدم أو غيرهما ، لأنهما إنما دلتا على وجوب السؤال من أهل الذكر أو الأخذ من الأشخاص المعينين ، ولم يدلا على تقييد ذلك بما إذا كان أهل الذكر أو هؤلاء الأشخاص حياً عند العمل بقوله. نعم ، يعتبر أن يكون الأخذ والسؤال كالانذار حال الحياة ، وهو متحقق على الفرض.

فالمتحصل : أن المطلقات شاملة للميت والحي كليهما ، لعدم العلم بمخالفتهما في الفتوى على الفرض وأن مقتضاها جواز البقاء على تقليد الميت.

الثالث : السيرة العقلائية‌ الجارية على رجوع الجاهل إلى العالم فيما جهله من الحِرف والعلوم والموضوعات وغيرها ، بلا فرق في ذلك بين أن يكون العالم باقياً على‌

۳۷۹