ذلك المجتهد الّذي يريد العدول إلى تقليده أعلم ممن كان يقلّده أولاً ، جاز له البقاء على تقليد المجتهد الأول كما جاز له العدول إلى من هو أعلم منه وذلك لعدم العلم بالمخالفة بينهما في الفتوى ، ويأتي أنه إذا لم يعلم المخالفة بين فتوى الأعلم وغير الأعلم جاز تقليد غير الأعلم ولا يجب الفحص عن المخالفة بينهما ، على ما يأتي بيانه إن شاء الله. (١) نعم ، إذا عدل ثمّ علم بالمخالفة بينهما لم يجز له أن يرجع إلى الأول ، لأنه يشترط في جواز تقليد غير الأعلم عدم العلم بالمخالفة بينه وبين الأعلم في الفتوى.

وأما إذا كان المجتهد الثاني مساوياً في الفضيلة مع المجتهد الأول ، فأيضاً يتخير المكلف بين البقاء على تقليد الأول وبين الرجوع إلى الثاني لعدم العلم بالمخالفة بينهما وأما لو عدل ثمّ التفت إلى المخالفة بينهما ، أو علم بالمخالفة قبل العدول فبناءً على ما يأتي من أن القاعدة تقتضي التساقط حينئذٍ ، لم يجز البقاء على تقليد المجتهد الأول ولا الرجوع إلى المجتهد الآخر لسقوط فتواهما عن الحجية بالمعارضة ، وأما على المسلك المشهور من أن القاعدة تقتضي التخيير عند تعارض الحجتين ، فيقع الكلام في المقام في أن التخيير هل هو استمراري وقتئذ بمعنى أن المكلف يتخير بين البقاء على تقليد المجتهد الأول والرجوع إلى المجتهد الآخر كما كان مخيراً بينهما حدوثاً فلا مانع من العدول عن الحي إلى الحي ، أو أن التخيير ابتدائي فحسب فلا يجوز العدول من الحي إلى الحي. والتكلم على ذلك وأن التخيير استمراري أو ابتدائي وإن كان لا يناسبه ما اخترناه من التساقط إلاّ أنّا نتعرض له تتميماً للفائدة.

حكم التخيير عند تساوي المجتهدين‌

ذهب جماعة إلى عدم جواز العدول عن الحي إلى الحي ، بل عن غير واحد حكاية الإجماع عليه واختاره شيخنا الأنصاري قدس‌سره في رسالة الاجتهاد والتقليد (٢) وعن المحقق والشهيد الثانيين التصريح بجوازه تبعاً للمحكي عن النهاية وعليه بنى بعض مشايخنا المحققين ( قدّس الله أسرارهم ) (٣).

__________________

(١) راجع ص ١٣٣.

(٢) الاجتهاد والتقليد : ٦٥.

(٣) الاجتهاد والتقليد ( الأصفهاني ) : ١٤٨.

۳۷۹