أصل الحجية الجامعة بين التعيينية والتخييرية معلوم وخصوصية إحداهما مشكوك فيها والبراءة تقتضي عدمها. إذن النتيجة أن الحجية تخييرية وللمكلف أن يرجع إلى فتوى الأعلم أو يرجع إلى فتوى غير الأعلم.

والصحيح أن الأصل عند دوران الأمر بين الحجية التعيينية والحجية التخييرية يقتضي الأخذ بما يحتمل تعينه ، ولا وجه لقياسه بما لو دار الأمر بين التعيين والتخيير في الأحكام لأنه مع الفارق ، وتوضيح ذلك : أن الحجية قد يراد بها تنجز الواقع فحسب كما إذا لم يكن الواقع منجّزاً على المكلف لو لا الحجة الواصلة إليه ، فإن المورد لولا تلك الحجة مورد لأصالة الإباحة أو الطهارة أو غيرهما ، ولم يتنجز الواقع على المكلف إلاّ بما قامت عنده من الحجة فلم يترتب عليها سوى تنجز الواقع فحسب.

وقد يراد بها التعذير فقط كما إذا كان الواقع منجّزاً على المكلف مع قطع النظر عن قيام الحجة عنده ، إما بالعلم الإجمالي الكبير لأنه يعلم أن في الشريعة المقدسة أحكاماً إلزامية يجب الخروج عن عهدتها ، وإما بالعلم الإجمالي الصغير المتحقق في بعض الموارد كالعلم الإجمالي بوجوب صلاة الجمعة أو الظهر يوم الجمعة ، فإن الواقع منجّز عليه قبل الحجة الواصلة إليه ، فلا يراد منها إلاّ التعذير على تقدير الخلاف.

فهناك مقامان للكلام :

المقام الأوّل : ما إذا كان الواقع غير منجز على المكلف‌ ، لأن المورد تجري فيه الأُصول النافية للتكليف ، وإنما يتنجز بالحجة الواصلة إليه وقد دار الأمر فيه بين الحجية التعيينية والتخييرية ، والتحقيق أن الأصل يقتضي التخيير حينئذٍ وذلك لأن حال المقام حال الدوران بين التعيين والتخيير في الأحكام ، وقد ذكرنا في محلّه أنه مورد للتخيير وذلك للعلم بالإلزام بالجامع بين الشيئين أو الأشياء والشك في مدخلية الخصوصية في الواجب وعدمها ، وهو على ما ذكرناه في محلّه من الشك في الإطلاق والاشتراط ومعه تجري البراءة عن التقييد لأنه كلفة زائدة وضيق ، وحيث إن التقييد بالخصوصية مشكوك فيه للمكلف فيدفع بالبراءة ، فإن العقاب على المجهول حينئذٍ عقاب بلا بيان. وفي المقام التكليف بالجامع بينهما أعني أحدهما لا بعينه معلوم لا شك‌

۳۷۹