الثالث : دعوى الإجماع على التخيير في المسألة.

وفيه : أنه إجماع منقول بالخبر الواحد ، ولا يمكننا الاعتماد عليه ، على أن الاتفاق غير مسلّم في المسألة ، لأنها من المسائل المستحدثة ولم يتعرض لها الفقهاء في كلماتهم فكيف يمكن معه دعوى الإجماع على التخيير بين المجتهدين المتساويين. بل لو فرضنا العلم باتفاقهم أيضاً لم يمكننا الاعتماد عليه ، إذ لا يحتمل أن يكون اتفاقهم هذا إجماعاً تعبدياً يستكشف به قول المعصوم عليه‌السلام وإنما هو أمر مستند إلى أحد الوجوه المذكورة في المسألة. فالمتحصّل إلى هنا أن التخيير بين المجتهدين المتساويين لم يقم عليه دليل. بل الحجية التخييرية أمر غير معقول في مقام الثبوت.

الحجية التخييرية غير معقولة‌

لأنها بمعنى جعل الحجية على هذا وذاك يستلزم الجمع بين الضدين أو النقيضين لأن مرجعه إلى أن الشارع قد اعتبر المكلف عالماً بالحرمة وعالماً بعدمها ، أو عالماً بحرمة شي‌ء وعالماً بوجوبه ، ومن هنا قلنا إن إطلاق أدلة الحجية غير شاملة لكلتا الفتويين لاستلزام حجيتهما معاً الجمع بين الضدين أو النقيضين.

وأما الحجية التخييرية بمعنى جعل الحجية على الجامع بين الفتويين ، أعني عنوان أحدهما الّذي هو عنوان انتزاعي ، فهي أيضاً غير متصورة في المقام لأن التكليف بل الصفات الحقيقية كلها كالشوق والعلم وإن كان أمراً قابل التعلق للعناوين الانتزاعية كعنوان أحدهما الجامع بين فردين ، لأن الشوق يمكن أن يتعلق بأحد فعلين أو شيئين آخرين ، وكذلك العلم الإجمالي لأنه يتعلّق بأحدهما. بل قد التزمنا بذلك في الواجبات التخييرية ، وقلنا إن التكليف فيها إنما تعلّق بعنوان أحدهما وأن الفعل المأتي به في الخارج فرد للواجب لا أنه الواجب بنفسه ، إلاّ أن ذلك في الحجية أمر غير معقول ، لأنه لا معنى لاعتبار المكلف عالماً بالحرمة أو عالماً بعدمها ، واعتباره عالماً بوجوب شي‌ء أو عالماً بحرمته ، لأنه معنى جعل الحجية على أحدهما.

على أنّا ذكرنا في محلّه أن كلا من المتعارضين ينفي معارضه بالالتزام. إذن يكون معنى الإفتاء بحرمة شي‌ء أنه ليس بواجب كما أن معنى الإفتاء بوجوبه أنه ليس بحرام فالفتويان المتعارضتان بين نفي وإثبات ، وجعل الحجية على الجامع بين النفي والإثبات‌

۳۷۹