تطبيقها على صغرياتها ، ولا يكفي أحدهما ما لم ينضم إليه الآخر ، فالأعلم في الأحكام الشرعية كالأعلم في بقية الصنائع والعلوم كالهندسة والطب وغيرهما ، فكما أنه لا حرج في تشخيص مفهوم الأعلم في تلك الموارد فإن الأعلم فيها هو من علم بقواعدها وكبرياتها وكان له حسن سليقة في تطبيقها على مواردها وصغرياتها ، ولا يكفي فيه مجرد القوة على الكبريات أو الإحاطة بالفروع بل يتوقف على أن يكون الطبيب مثلاً مع ما له من الإحاطة بجميع أقسام المرض وأدويتها وطرق معالجتها متمكناً من تطبيق تلك القواعد على مواردها ، فكذلك الحال في علم الفقه كما بيّناه.

إذن لا حرج في تشخيص مفهوم الأعلم بوجه. وأما تمييز مصاديقه وأفراده فهو أيضاً ممّا لا حرج فيه ، وذلك فإن الأعلمية نظير غيرها من الأُمور تثبت بالعلم الوجداني وبالشياع المفيد له وبالبينة ، وهذا لا يمسّه أي حرج.

وأما تعلم فتاواه فلأنه يتيسّر بأخذ رسالته ، ونشرها من السهولة بمكان وبالأخص في زماننا هذا وما يقاربه ، وهذا لا نرى فيه حرجاً بوجه. على أنا لا نلتزم بوجوب الرجوع إلى الأعلم مطلقاً بل في صورة العلم بالمخالفة بينه وبين غير الأعلم في الفتوى الّتي هي محل الكلام ، والعلم بالمخالفة إنما يتحقق فيما إذا علم فتوى كليهما ، وهذا كما ترى ليست فيه شائبة أي حرج.

الوجه الثالث : سيرة المتشرعة‌ ، حيث جرت على رجوعهم فيما يبتلون به من المسائل إلى أي شخص عالم بحكمها من غير أن يفحصوا عن الأعلم بتلك المسألة فلو كان تقليد الأعلم واجباً عندهم لزم عليهم الفحص عن وجوده.

وفيه : أنه إن أُريد بذلك صورة عدم العلم بالمخالفة بين فتوى الأعلم وفتوى غير الأعلم ، فلا يبعد دعوى قيام السيرة فيها على عدم الفحص عن الأعلم. وأما لو أُريد بذلك صورة العلم بالمخالفة بينهما كما هي محل الكلام ، فلا مجال فيها لدعوى السيرة بوجه. بل هي دعوى ظاهرة الفساد فإن الأمر بالعكس والسيرة جارية على الرجوع إلى الأعلم عند العلم بالمخالفة كما هو المشاهد في غير الأحكام ، مثلاً إذا عين الطبيب دواءً وخالفه في ذاك من هو أعلم منه ، لم يعتمدوا على معالجته هذه بوجه وإنما يتبعون رأي الأعلم فلاحظ.

۳۷۹