ما يمكن أن يعتمد عليه العامي‌

الّذي يمكن أن يعتمد عليه العامي في حجية فتوى المجتهد في حقّه أمران :

أحدهما : الارتكاز الثابت ببناء العقلاء ، حيث جرى بناؤهم في كل حرفة وصنعة بل في كل أمر راجع إلى المعاش والمعاد ، على رجوع الجاهل إلى العالم لأنه أهل الخبرة والاطلاع ، ولم يرد من هذه السيرة ردع في الشريعة المقدسة. وهذه السيرة والبناء وإن جاز أن لا يلتفت إليهما العامي مفصلاً ، إلاّ أنهما مرتكزان في ذهنه بحيث يلتفت إليهما ويعلم بهما تفصيلاً بأدنى إشارة وتنبيه.

وثانيهما : دليل الانسداد ، وتقريبه أن كل أحد يعلم بثبوت أحكام إلزامية في حقه كما يعلم أنه غير مفوّض في أفعاله بحيث له أن يفعل ما يشاء ويترك ما يريد ، وهذان العلمان ينتجان استقلال العقل بلزوم الخروج عن عهدة التكاليف الواقعية المنجّزة بعلمه ، وطريق الخروج عنها منحصر في الاجتهاد والاحتياط والتقليد.

أما الاجتهاد ، فهو غير متيسّر على الكثير بل على الجميع ، لأن كل مجتهد كان برهة من الزمان مقلداً أو محتاطاً لا محالة ، وكونه مجتهداً منذ بلوغه وإن كان قد يتفق إلاّ أنه أمر نادر جدّاً ، فلا يمكن أن يكون الاجتهاد واجباً عينياً على كل أحد بل لعلّه خلاف الضرورة بين المسلمين.

وأمّا الاحتياط ، فهو كالاجتهاد غير ميسور له لعدم تمكنه من تشخيص موارده ، على أنّا لا نحتمل أن تكون الشريعة المقدسة مبتنية على الاحتياط. إذن يتعيّن على العامي التقليد لانحصار الطريق به. وبهذا الطريق يستكشف العقل أن الشارع قد نصب في الشريعة طريقاً آخر إلى الأحكام الواقعية بالإضافة إلى العامي فلا يسوغ له أن يأخذ بالعمل بمظنوناته ويترك مشكوكاته وموهوماته ، وذلك لأنه ليس للمقلّد ظنّ بالأحكام فإنه ليس من أهل النظر والاجتهاد. على أن ظنّه كشكّه ووهمه لا أقربية له إلى الواقع بالنسبة إلى شقيقيه ، لعدم ابتنائه على النظر في أدلة الأحكام فليس له طريق أقرب إلى الواقع من فتوى مقلّده.

وعلى الجملة أن دليل الانسداد وإن لم يتم بالإضافة إلى المجتهد ، فإن من يرى انسداد باب العلم الّذي من مقدماته عدم التمكن من الاجتهاد ، كيف يرخّص الرجوع‌

۳۷۹