وعلى الجملة أن الحكم الظاهري قد أُخذ في موضوعه الشك ، فمن لم يتم عنده انحلال العلم الإجمالي فهو يحتمل العقاب على ترك الأكثر فوظيفته الاحتياط ، ومن أحرز الانحلال فيشمله حديث الرفع وجداناً فهو لا يحتمل العقاب. وكذلك مسألة الحائض فإن من تمّ عنده الاستصحاب لا يمكنه الرجوع إلى البراءة لأنه غير شاك في الحكم ، ومن لم يتم عنده فهو لم يصله الحكم وتجري في حقه البراءة ، إذن لا خطأ في الأحكام الظاهرية في مرحلة المجعول ، وإنما الاختلاف فيها من جهة الاختلاف والتبدل في الموضوع ، هذا كلّه في الشبهات الحكمية.

وبذلك ظهر الحال في الشبهات الموضوعية لأن من قامت البينة عنده على نجاسة شي‌ء فوظيفته الاجتناب عنه لقيام البينة على نجاسته ، كما أن من لم تقم عنده البينة على نجاسته وظيفته الحكم بطهارته حسب قاعدة الطهارة لتحقق موضوعها بالوجدان ، أعني الشك في طهارته وهو أمر غير قابل للخطإ كما تقدم.

فالاختلاف في الأحكام الظاهرية من باب التبدل في الموضوع وليس من الاختلاف على موضوع واحد كما في الأحكام الواقعية والأُمور النفس الأمرية.

٤ ـ الإجزاء‌

إذا تبيّن أن المجتهد قد يصيب في استنباطاته فيطابق رأيه الواقع ، وقد يخطأ وهو معذور ، تحققت مسألة أُخرى في المقام وهي إجزاء الأحكام الظاهرية عن الأحكام الواقعية على تقدير خطئها وعدمه ، وذلك لأنا لو التزمنا بالتصويب في الأحكام الشرعية ، لم يبق مجال لمسألة الإجزاء عند انكشاف خطأ الأحكام الظاهرية ، لأنه لا موضوع معه لانكشاف الخلاف فإن كل مجتهد مصيب كما يأتي تفصيله ، والتبدل في الرأي من باب تبدل الحكم الواقعي بتبدل موضوعه وليس من باب انكشاف الخلاف ، فلا موقع للتكلم في الإجزاء حينئذٍ. نعم ، إذا بنينا على التخطئة كما هو الصحيح تحقق الموضوع لتلك المسألة وأمكن التكلم على أن الحكم الظاهري عند انكشاف خطئه وخلافه ، هل يجزي عن الواقع فلا تجب إعادته أو قضاؤه أو لا؟

فنقول : إن انكشاف الخلاف في الأحكام الظاهرية قد يكون بالعلم وعدم مطابقتها‌

۳۷۹